عبده الأسمري
كعادة العباقرة ظل عقودًا في مختبراته مستبدلا فلاشات المناصب ببراءات الاختراع عاشقًا للابتكار الطبي.. مترافقًا مع الاعتبار المهني.. وكسمة الرواد استمر سنينا يرضخ «البحوث» للاكتشاف ويروض «العقاقير» للتطوير فعاش كرائد للطب وعمل كرمز للمهنة.
إنه رئيس الاتحاد العربي والنائب الأول لرئيس الاتحاد العالمي لجراحة المخ والأعصاب الجراح والطبيب العالمي البروفيسور خلف بن ردن المطيري -رحمه الله- أول سعودي ينال الدكتوراة في التخصص صاحب السيرة العريضة محليًا ودوليًا في مجال طب المخ والأعصاب.
بوجه وقور مسكون بهم الآخرين، مسجوع بهمم الذات تسكنه ملكات الحكمة والحنكة، وملامح وطنية بارزة وعينان تشعان بالإنصات مع تقاسيم بدوية أصيلة رسمتها الطفولة، ومحيا رسمي صنعته المهمات، تميزه شخصية مهيبة ببزة عسكرية مكتظة بالنياشين، والأوسمة، والمشاركات، تتوزع على استقامة بطل وقامة طبيب قضى جل عمره في ميادين الخدمات الطبية ومختبرات الأبحاث ومنصات الشرف ومؤتمرات المهنية، ظل المطيري أكثر من أربعة عقود وجها للطب وواجهة للعلا ورقمًا ثابتًا في منظومة الاحتراف الطبي في مجال المخ والأعصاب، وعاملا مشتركًا في رفع اسم الوطن في محافل التنافس عالميًا بروح الإصرار وصروح الاقتدار.
عاش المطيري طفولة هادئة مثالية كان يعتبر اللهو فيها مع أقرانه منظومة تنافسية والالتزام نظام أسري فكان طفلا نابهًا بارًا يخبر أسرته في جلوسه بين أيديهم بأمنيات عظيمة كان والده يراها «موهبة خالصة» وتعتبرها أمه «نبوغًا فريدًا» فأغدقا عليه بالحنان ورسما له خطة الحياة بفكر الطيبين ونية الأكرمين فكانا ضياءين ينيران قلبه ونبراسين يكشفان له الطريق، فتشبعت ذاكرته بالروح التربوية من والديه فتشبث بنظرات وداعهما له في كل يوم دراسي وارتبط بابتهالات ليل لا تتوقف له بالدعاء فحول تلك القصص والمآثر والذكريات إلى نماذج واقعية سجلها بالمناصب والقدرات والنتائج.
سيرة حافلة بالإنجازات بدأها المطيري عندما غادر الوطن تسبقه دافعية لمنازلة التحديات وجني التميز وتخلفه دعوات والدين كريمين حيث توجه لألمانيا عقر دار الطب وميدان الرواد فيه حيث واجه الغربة بسلاح العزيمة وكافح العوائق بكفاح اليقين فتخرج عام 1975م في كلية الطب بجامعة بون بألمانيا حاصدا التفوق وفي عام 1983م نال الزمالة والدكتوراه في جراحة المخ والأعصاب من جامعة هانوفر الألمانية، واختير عام 1997م مديرًا لتحرير مجلة جراحي الأعصاب العربي، وفي عام 2004 حصل على درجة بروفيسور أستاذ جراحة أعصاب من جامعة بلمند في لبنان، وفي عام 2005م كرمته القيادة بمنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى تقديرًا لسجله الحافل بالعطاء وقد تم تكريمه في عدة مناسبات داخلية وخارجية كرجل مرحلة وعقل أبحاث وبطل امتياز. وحصل المطيري على الزمالة البريطانية وعشرات العضويات في اتحادات ولجان تدريب ومجلات علمية وأكاديميات عربية وأوروبية وعالمية. وشارك بفاعلية أثناء حرب الخليج في المجال الطبي والجراحي العسكري.
تقلد المطيري منصب أول رئيس للاتحاد العربي لجراحة المخ والأعصاب عام 1996م. ونال رحمه الله منصب النائب الثاني لرئاسة الاتحاد العالمي لجراحة الأعصاب عام 2001م ثم النائب الأول لنفس الاتحاد عام 2005م وترأس لجنة جراحي الأعصاب للعسكريين بالاتحاد عام 2009م.
كان المطيري يعمل في مهام إدارية متعددة كان آخرها إدارته لبرنامج الخدمات الطبية بالمنطقة الوسطى ولكنه ظل طيلة 40 عامًا يغوص في أعماق الطب ويعانق آفاق الجراحات المعقدة للمخ والأعصاب الذي يعد من رواده عالميًا الأمر الذي مكنه من نشر أكثر من 140 بحثًا طبيًا أفادت البشرية وأضافت للإنسانية بشائر وابتكارات في التقنية الحديثة للطب وفي تطورات مذهلة في مجال جراحة تعد الأعقد طبيا.
رحل المطيري الأسبوع الماضي بعد صراع مع المرض الذي طالما صرعه وغلبه بعقله في جراحات خدمت «البشر» وإضاءت عتمة «بؤسهم» وأنارت غمة «ألمهم» وكان عزاؤه ووقع موته عنوانًا وطنيًا فيما كانت «أعماله وإنسانيته وآثاره وبصماته» تفاصيل توزعت في الجهات الأربع وفي عمق الناس وأفق المهنة لتبقى أبحاثة «علماً نافعاً» بعد رحيله وذكره «معلما شافعاً» في قلوب من عرفه أو من سمع عنه تاركا رصيده الإنساني ناطقا بالخير وإرثه العلمي مستنطقا بالنفع وسط استدعاء علني لمآثره حين ذكره ودعاء خفي حيث حضور اسمه.