فهد بن جليد
على الطريقة المصرية الشعبية عندما تريد جذب انتباه أي شخص في ثنايا الحديث بينكما، وهو يهمُّ بالمُغادرة تقول له العبارة الشهيرة «تعالا خد ..» كي ينتبه إليك ويستجيب لحوارك وطلبك ويبقى، طالما أنَّه لن يدفع في نهاية المطاف أو يخسر شيئاً، وهي الطريقة التي تبنتها الكثير من شركات النقل في المحافظات المصرية لجذب زوار معرض القاهرة للكتاب، في رحلات ترفيه وتثقيف بالباصات والأتوبيسات رخيصة الثمن للوصول لمعرض الكتاب والقيام بجولة ترفيهية على معالم القاهرة فيما بعد بنفس سعر التذكرة، بل إنَّ بعض المؤلفين أنفسهم يستخدمون وسيلة النقل هذه من أجل الوصول إلى المعرض مع بقية الناس للتوقيع على كتبهم وإنتاجهم الثقافي، ولقاء القراء والمعجبين. ما لفت انتباهي هنا هو فكرة أصحاب هذه الشركات في عدم استغلال الموسم ورفع الأسعار والتذاكر، فالهدف كما يقولون ليس الربح المادي، بل الحفاظ على هذا التقليد السنوي، وتهيئة الظروف للمواطن القارئ والمُثقف للوصول إلى هنا والاستزادة من العلم والثقافة والتنوير بأقل تكلفة ممكنة.. وعمار يا مصر.
لاحظ أنَّ مؤلف الكتاب في معرض القاهرة الدولي يأتي إلى منصة التوقيع (بالأوتوبيس) لأنَّه قد لا يملك أجرة تاكسي، ليلتقي القراء والمُعجبين وهو يرتدي ملابسه اليومية العادية دون تكلُّف، فهو واحد من أفراد هذا المجتمع يعرف حقيقتهم ويعرفون حقيقته، يتحدث بلسانهم ويعاني مما يعاني منه الآخرون من شظف العيش ونكد الحياة وعدم امتلاك سيارة، وربما حتى عدم وجود شقة ليكمل فيها نصف دينه, يوقّع للناس على منتجه الثقافي مُتقبلاً انتقاداتهم ووجهات نظرهم المُغايرة لما يحويه الكتاب بابتسامة ونكتة وتعليق، دون بهرجة أو زفة كما يحدث مع بعض المؤلفين في منطقة الخليج تحديداً، فمن يؤلّف عندنا كتاباً يعتقد أنَّه (صنع صاروخاً) ولربما تحول إلى فيلسوف عصره وخبير زمانه، يظهر في البرامج الحوارية والتلفزيونية، ينتقد ويؤكّد وينفي تارة، وربما حلَّل وتوقّع وشجب واستنكر تارة أخرى.
بعض الكتَّاب والمؤلّفين يعتقدون أنَّ التواضع, والتواجد في كل المناسبات، وسهولة الوصول والاتصال والتفاعل مع القراء والجماهير «منقصة»، بل مثلبة لا تناسب فكرة التأليف والكتابة، وهي تُعارض سمة المُثقف في مجتمعاتنا العربية, نقول لهؤلاء بصوت واحد «تعالا خد» أنتم تجهلون حقيقية أنَّ الجمهور يبجِّل ويحترم ويقدّر المؤلف الصادق مع نفسه قبل غيره، من يظهر على حقيقته ويعكس حقيقة مُجتمعه, بدلاً من تصنُّع ارتداء ثوب الثقافة البراق, لأنَّ زمن الجلوس على الأبراج العاجية انتهى.
وعلى دروب الخير نلتقي.