د. خيرية السقاف
يلفتني العمل المثمر, الذي لا يتحدث عن وجوده غير ذاته لا من يعمله..
فصاحب العمل حين يدع الحديث لنتائجه, ومحصلاته وهو بعيد عن ضوئه, فإنه بذلك يؤثر على نفسه من مغبة التظاهرة, ويوغل في التنزه, والخلوص..
هناك ألوف بل مئات ألوف من الموسرين الأثرياء, الذين لو أنفقوا من مِنَحِ الله التي خصهم بما قسمه لهم من الرزق يسرا لأخذوا بأيدي الفقراء والمساكين في تكافل إنساني يدعو الله له ليس في دين الإسلام وحده, بل شريعة أديان السماوات, في رسالات الأنبياء والرسل من قبل..
فالزهد, والعمل الصالح, والعطاء بلا حدود, والبذل المخلص بلا منَّة ينطق كل ذلك دوماً عند الذين يفعلونه لوجه الله, ثم لوجه الإنسانية, تطهيرًا, وطمعًا, وزيادة في الشعور بالضعف أمام عظمة الخالق فيهم, فهؤلاء من تنطق أعمالهم بهم, ولا يتردد ضمير نقي عن احتواء دعاء صادق لهم, وهم لا يعلمون..
في زمن الغش, والسرقة, والتكالب على الدنيا, وجعلها أكبر هم, وغاية مطمح يتبارى المشفقون, الإنسانيون, الطيبون, العارفون أنفسهم, الموقنون ببشريتهم, الصادقون مع حقيقتهم نحو العطاء الصامت, قليلاً كان, أو كثيرًا لكنه حتمًا سينطق بما فيه, سيأتي بأُكله, سيغدو في العيان صوتا للإنسانية, وشهادة في الأرض..
تداعت إليَّ هذه الكلمات, وأنا أقرأ عن مزرعة الراجحي للنخيل, التي تحتوي على مئتي ألف نخلة، وهي واحدة من أكبر المزارع في العالم لهذا العدد من نوع شجرها, وكمية ثمرها, وقد تصدَّرت مكانَها في موسوعة « غينيس» الشهيرة استحقاقًا لا ريبة فيه..
فالأجمل في الخبر أن جميع محاصيلها تتجه للخير في شتى أنحاء العالم, وكما ورد عنها فإنها «المزرعة التي تنفق على اثنتين وتسعين جمعية خيرية, وعلى زوار بيت الله الحرام ومسجد نبيه عليه الصلاة والسلام»..
تبارك الله, ما شاء الله, لا قوة إلا بالله..
والراجحي صاحبها أحسب أنه لم يزرع ليُحمد, ولم يهب ليشكر, فالأدلة الشواهد مساجده التي تنتشر, ومغاسل الموتى فيها التي تُجَهز, وتُوَدع, بكامل عدتها, وأريحية قدرتها..
إنه من خلال مساره الذي قرأنا عنه, وألممنا به لم يسطُ على شارع, ولم يأخذ عمولة, ولم يَنُفْ بأنف, كما لم يبخل بنصح للأجيال عن أهمية الصبر, والكفاح, والدأب, والتواضع, ونكران الذات, والنزاهة في السعي دعامات النجاح, وطريق الفلاح..
هو ذا العمل الذي يتحدث بيننا عن صاحبه, ولسوف يكون الشاهد له يوم يُسأل المرء عما قدم بيديه, مما أخذ بهما من نعيم الله.