د.عبدالعزيز الجار الله
تحجيم إيران، أو بلغة أخرى لجم إيران، أصبح هو السائد على الساحة السياسية والعسكرية في أمريكا وروسيا وإسرائيل وتركيا.. والعمل جارٍ على الأرض. أما لماذا؟ فلأنه ليس من المنطق السماح لإيران بابتلاع العراق وسوريا ولبنان واليمن وحدها بقضمة واحدة أو قضمات عدة؛ فلا الدول العربية ليست قطعًا من الكعك، ولا دول النفوذ في غفلة من أمرها حتى تمرر لطهران هذه المكاسب مجانًا.
الأمر الآخر هو تقسيم إيران، أو إعادة الأراضي والشعوب التي ضمتها زمن الشاه والتاريخ الحديث إلى دولها الأصلية أو ارتباطاتها السكانية: عودة البلوش إلى باكستان، وعودة التركمان إلى تركمانستان وتركيا، والأذار إلى أذربيجان، والكرد إلى كرد الترك في ديار بكر أو كرد العراق، والأحواز للعراق، أو استقلال هذه القوميات بدول مستقلة. فهذه الخريطة الجديدة أصبحت أحد التوجهات الدولية، وتُرسم على الأوراق السياسية، وإيران تعلم بها. وأصحاب الرؤى المستقبلية في إيران يدركون أن الخريطة الحالية لن تبقى على حالها في ظل التطورات الدولية التي تلت:
- تفكك الاتحاد السوفييتي؛ إذ خسرت روسيا أراضي وشعوبًا؛ لأنها لا تستطيع أن تحافظ عليها.
- تجربة أمريكا في الدخول بالحرب المباشرة فكانت تجربتها في أفغانستان صعبة، وفي العراق الأصعب، ولا ترغب في تكرارها، أي لا ترغب في دخول حرب بالوكالة، واكتفت بالحروب الاستخباراتية.
- وصول إسرائيل إلى أقصى غاياتها، أو أوسع خريطة لها، وقناعتها بأن الحروب مع العرب قد تكلفها الاستقرار، وتسعى إلى التحول من دولة عسكرية إلى دولة مدنية. أيضًا فشل مشروع الرادع النووي مقابل الصواريخ بعيدة المدى، ومحاصرة الدول العربية لها.
- تركيا القوية قد لا تستطيع الصمود طويلاً بهذه القوة، وقد دخلت في منطقة هامش الحرب السورية منذ عام 2018م، وهي التي انتظرت على خط حدودها الجنوبية منذ عام 2010م تراقب التطورات حتى زجت بجيشها.
لذا فإيران هي على طاولة نقاش التحجيم والتقسيم، والمستحيل الذي كانت تراه أنه في الأمد البعيد أصبح قريبًا، وإرهاصاته ثورة 2018م عندما تحرك الشعب بطلب الإصلاحات السياسية، ودعوة الاستقلال والانفصال، والعودة إلى ما كانت عليه قبل الاقتطاع الجبري من دول الجوار.