«الجزيرة» - المحليات:
استأنفت ندوة الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية التي تنظمها دارة الملك عبدالعزيز جلساتها العلمية في يومها الثاني، حيث عقدت ثلاث جلسات علمية يوم الأربعاء ألقاها مجموعة من المتخصصين والمؤرخين الذي أثروا الندوة ببحوثهم العلمية.
وقد بدأت جلسات اليوم بالجلسة الخامسة للندوة تحت رئاسة الدكتورة حصة بنت تركي الهذال من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، حيث اُستُهِلت الجلسة ببحث تحت عنوان (ميزان مدفوعات تجارة الجزيرة العربية في ضوء المصادر الكلاسيكية)، للدكتور حسين أحمد سلامة وألقاها بالنيابة عنه الدكتور أحمد غانم حافظ، حيث أشار الباحث أنه منذ ما يقرب من ألفي عام علَّق الإمبراطور تبيريوس، ثاني أباطرة الرومان على تجارة الإمبراطورية الرومانية مع العرب والهند بقوله: «إن نساء روما المهووسات بالطيوب والعطور والبخور وسائر البضائع التي تأتي من بلاد العرب والهند قد تسببن في نزيف مستمر للخزانة العامة، فبينما يزداد هؤلاء العرب ثراءً ويكومون الذهب نزداد نحن فقراً»، وقال الباحث: « تحول هذه الدراسة أن تتعامل مع ما يمكن أن نطلق عليه مجازاً (ميزان مدفوعات تجارة الجزيرة العربية)، فبالرغم من عدم وجود مثل هذا التعبير الاقتصادي قديماً فإنه يمكن لنا مع بعض التدقيق في المصادر الكلاسيكية القديمة التي تعاملت مع تجارة العرب والهند أن نحاول إيجاد مثل هذه العلاقة الاقتصادية، كمحاولة للمقارنة مع ميزان مدفوعات الجزيرة العربية الحديث، الذي هو قطعاً في صالح دول المنطقة بسبب صادراتها من البترول والبتروكيماويات».
وأشار الباحث إلى أن الإطار الزمني لهذه الدراسة يعطي الفترة من بدء ظهور المنطقة بشكل متكرر في المصادر الكلاسيكية اعتباراً من القرن الخامس قبل الميلاد وحتى انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية في 476م، حيث شهدت تجارة الإمبراطورية الرومانية مع بداية عهد أوغسطس طفرة سريعة جعلتها تتضاعف نحو ست مرات عن حجم التجارة أيام البطالمة، ومع ازدياد تدفق الثروة من الولايات في اتجاه روما أخذ الطلب على منتجات الجزيرة العربية والخليج العربي والبضائع التي عمل العرب وسطاء لها في الازدياد، وكرد فعل طبيعي ومتوقع لهذا الازدهار التجاري نلمح موقفاً سلبياً تناولته المصادر الكلاسيكية مثل استرابون الدي أكثر من ذكر الذهب في بلاد الأنباط الذي يتوافر هناك حسب قوله وبكميات مهولة، كما أشار الباحث إلى تأكيد بلينيوس على مقولة استرابوان وزاد عليها أن العرب هم أغنى أمم العالم، ويدعم هذا تاكيتوس وأرتميدورس، وأنه طبقاً لإحصاء بلينيوس فقد كانت تجارة روما مع العرب تكلف الخزينة العامة 100مليون سيستركيس سنوياً، أي ما يساوي قرابة 3مليار دولار بأسعار القرن الحادي والعشرين، أي أن ميزان مدفوعات تجارة الجزيرة العربية مع روما كان قطعاً في صالح الجزيرة العربية قديماً كما هو الحال حديثاً.
بعده تم طرح البحث العلمي المقدم من الدكتور ديفيد غراف وألقاه بالنيابة عنه الدكتور جون هيلي تحت عنوان (كتاب موضوعات عربية المفقود لمؤلفه جلاوكوس).
ثم ألقى الدكتور إبراهم محمد مهران من جامعة أم القرى بحثه الموسوم بـ (منتجات الجزيرة العربية وتجارتها الخارجية في كتابات هيرودوت)، واستهل البحث بالإشارة إلى أن اهتمام الغربيين بالجزيرة العربية قد بدأ منذ منتصف القرن الخامس قبل الميلاد بهدف التعرف على الشرق واستقراء هويته، وبخاصة أن أول احتكاك كبير بين اليونان والعالم الشرقي لم يتوقف بانتهاء الصدام العسكري بين الإمبراطورية الأخمينية في القرن الخامس قبل الميلاد، فقد تعاونت وحدات عسكرية عربية وفينيقية مع الجيش الأخميني في مواجهاتهم المتعددة مع أثينا في منتصف القرن نفسه، وتوسعت تجارة أثينا في شرق المتوسط بعد تقلص نشاط الفينيقيين، وهنا كان الإقبال متزايداً على سلع الرفاهية والترف، التي كان بعضها يأتي من داخل الجزيرة العربية والآخر ينقل عبر أراضيها، وكانت تمثل احتياجاً لا غنى عنه في المعابد والقصور والمنازل، وكذا في المناسبات والاحتفالات بأنواعها، وهكذا وجدنا هيرودوتوس أقدم مؤرخ يوناني يكتب بشكل مفصل عن الجزيرة العربية وأحوالها وسكانها وجغرافيتها وحدودها في كتابه الذي اختار له عنوان «استقصاء» أو «تحقيق» وكانت كتاباته عن الجزيرة العربية متصلة أحياناً ومتناثرة أحياناً أخرى، وفق سياق الموضوع الرئيس، وأوضح الدكتور إبراهيم مهران أنه وعلى الرغم من اعتماده الرواية في حديثه، وأيضاً مبالغاته المتعددة، فإن هيرودوتوس أفاض في ذكر معلومات عن متجات بلاد العرب ولضائعها، وعلى رأسها اللبان والمر والكاسيا والقرفة واللادن، وهي من سلع الرفاهية والترف التي كانت عصب الحياة التجارية لدى سكان الجزيرة العربية، سواء ما ينتج داخل أراضيها، أو يستورد من المناطق المحيطة بها مثل الهند والساحل الشرقي لإفريقيا، وكانت هذه التجارة هي العامل المشترك في تاريخ الدول العربية القديمة، مشيراً إلى أن هيرودوتوس يقدم معلومات جادة وقيمة عن الجزيرة العربية تجعلنا مدينين له بتوثيق تاريخها؛ وكان له حس وإبداع أدبي وفني، إلا أنه اتبع أسلوب التعميم والتجريد، ولم بعطنا وقائع دقيقة تعرفنا بالأماكن والقبائل والأسماء والطرق والمسافات والاتجاهات، وأوضح الباحث إلى أن بحثه يهدف إلى إبراز الخطوط الرئيسة في كتابات هيرودوتوس عن منتجات الجزيرة العربية وتجارتها الخارجية، وما عنى بإبرازه في الكتابة، في حقبة تمثل بدء الاهتمام الغربي بمنطقة الجزيرة العربية، مع إيضاح الظروف والأسباب وراءهذا الاهتمام.
ثم ألقى الدكتور مدحت عبدالبديع هريدي من جامعة الملك فيصل بحثه الموسوم بـ (موانئ شرق الجزيرة العربية في الكتابات الكلاسيكية: دراسة في النصوص اليونانية واللاتينية)، حيث أكد الباحث على تميز الساحل العربي للخليج العربي بموانئة التي كان لها الأثر الكبير في التبادل التجاري بين المراكز الحضارية على طول الساحل ومنطقة الرافدين، مبيناً أنه قد أنشئ في العصور القديمة عدد من الموانئ المهمة التي لعبت دوراً مؤثراً في نهضة التجارة في ذلك الوقت، وكانت السفن تقوم بتفرغ حمولتها في بعض الموانئ لنقلها عبر البر بواسطة القوافل إلى سوريا ومصر، أو تأتي من بلاد النهرين إلى موانئ الخليج لتفريغ بضاعتها، وكان من أهم الموانئ والجزر على الساحل العربي للخليج العربي جزيرة وميناء إيكاروس (فيلكة)، وميناء مدينة جرها (العقير)، وفي الجنوب عمانا.
وقد تتبع الباحث في بحثه بالتحليل ما كتبه الكلاسيكيون عن هذه المنطقة، وقد جاءت كتابات الجغرافي أجاثارخيديس من كنيدوس في القرن الثاني قبل الميلاد التي ضمَّنها تحقيقاته كتابه الذي أسماه (حول البحر الإريثري)، والذي تميز بتوسعه في وصف مناطق اللبان والمر والطيوب الأخرى، وبما بقي منه من معلومات مفصلة عن البلاد والموانئ على الساحل العربي للخليج، ومن أهم الكتابات التي ظهرت في العصر الروماني ما دونه الجغرافي استرابون في الكتاب السادس عشر، الذي خصص الجزء الرابع منه للحديث عن بلاد العرب، وتحث فيه عن الساحل العربي للخليج، كما يقدم بلينيوس الأكبر في عمله (التاريخ الطبيعي) بعض التفصيلات المهمة عن الجزيرة العربية وموانئها على البحر الأحمر والخليج العربي، وما ذكره أريانوس عن جزيرتي إيكاروس وتيروس (البحرين)، وكذلك الدليل الملاحي للتجارة لمؤلف مجهول عرف كتابه باسم (الطواف حول البحر الإريثري).
ثم بدأت الجلسة السادسة للندوة التي كانت تحت رئاسة الدكتور عبدالعزيز بن صالح الهلابي، حيث اُستُهِلت بالبحث الموسوم بـ (اللؤلؤ وصيده في الخليج العربي في المصادر الكلاسيكية)، حيث بدأ محاضرته بمقولة لبلينيوس الأكبر عن لآلئ المحيط الهندي قائلاً: «إن اللآلئ التي تجمع حول بلاد العرب على الخليج العربي في البحر الهندي محل ثناء خاص»، وأشار الباحث إلى أن بلينيوس كان مؤلفاً رومانياً ذا معرفة موسوعية هائلة بالمعلومات التي تراكمت منذ أقدم العصور حتى عصره في منتصف القرن الأول الميلادي، موضحاً أن كتابه التاسع من مؤلفه (التاريخ الطبيعي) اشتمل على وصف كامل للآلئ المحيط الهندي، ويشتمل أيضاً على تفصيلات ومعلومات طريفة، ولا يدهشنا ذلك الوصف نظراً لأن الرومان مهووسون باللآلئ منذ أواخر القرن الأول قبل الميلاد وفيما تلاه من أعوام.
وقال الباحث: «وفي الحقيقة فإن الجماعات المقيمة حول الخليج العربي كانت تصيد اللؤلؤ لآلاف السنين قبل بلينيوس، كما تدل على ذلك اللقيات الأثرية، وبالنسبة لليونانيين القدامى فإنهم تعرفوا على هذه المادة لأول مرة -على ما يبدو- في أثناء حملات الإسكندر الأكبر على آسيا، وبخاصة في الأعوام الأخيرة من الحملة 324-323ق.م، عندما استطاع عدد من قادة أسطوله البحري ملاحظة مناطق إنتاج اللؤلؤ على جانبي الخليج مثل البحرين وجزيرة كيش، ولا شك أن اليونانيين استوردوا تدريجياً اللؤلؤ، لكن استهلاكهم له كان متواضعاً جداً مقارنةً بالرومان»، مشيراً إلى أن الرومان استمتعوا كثيراً باللؤلؤ الذي كانوا يستوردونه من الخليج ومن جنوب الهند، وأنهم كانوا معتادين على استخدامه في أنواع عديدة من الحلي، وخصوصاً الأقراط، وأوضح أن بفضل هذا الاستعمال الواسع النطاق فإن لدينا قدراً كبيراً من المعلومات عن الموضوع.
عقب ذلك ألقت الدكتورة هالة يوسف محمد سالم بحثاً تحت عنوان (أساطير الترهيب بالحيات في جنوب الجزيرة العربية: دراسة في المصادر الكلاسيكية)، حيث أوضحت إلى أن المصادر الكلاسيكية تشير إلى شتى الجوانب الحضارية في جنوب الجزيرة العربية، وأن مما يميز تلك المصادر تناولها كثيراً من الأمور المتعلقة بالتجارة، مثل الموانئ والمحطات التجارية والقائمين عليها والسلع والمنتجات المختلفة، ومن أبرزها البخور ومناطق زراعته وأنواعه أوأوقات حصاده، حيث ورد ذلك عند كل من هيرودوتوس وبلينيوس وبطلميوس وثيوفراستوس واسترابون ومؤلف كتاب الطواف حول البحر الإريثري، وأشارت الباحثة إلى أن مما ذكره هيرودوتوس: «أنه على من يقوم بعملية جمع اللبان أن يعطي جسده بجلود الأبقار وقاية له من سموم الحيات المجنحة»، التي زعم أنها تحمي أشجار اللبان (البخور) بأعداد لا حصر لها، ولم تختلف رواية استرابون كثيراً عما ذكره هيرودوتوس، وأنه يغلب على الظن أن هذه الرويات وغيرها مستقاة من أساطير سادت في جنوب الجزيرة العربية، وانتشرت عن الحيات وقدراتها في الحماية ودفع الأذى عموماً وحماية أشجار البخور خصوصاً، وكانت الحية رمزاً من رموز المعبود القمر عند السبئيين والأوسانيين والمعينيين، مبينةً أن ذلك قد يعود لتشابه كل منهما في القوة والقدرة على التجدد والخلود والخصوبة، أو أنه يعود إلى ما تتسم به الحية من رهبة في النفوس وكونا رمزاً للشر حيث اتخذها العرب الجنوبيون تمائم وتعاويذ على شكل الحيات بعرض الحماية من أذاها أو من القوى الشريرة وتقديساً لها للغرض نفسه، كما ظهرت أشكال الحيات ضمن رسومهم الصخرية وعلى الجدران واللوحات.
وأشارت الدكتورة هالة إلى أن الكتاب الكلاسيكيين قد أسهبوا في وصف تلك الحيات الحامية لأشجار البخور من حيث أعدادها وأحجامها وأشكالها وألوانها، موضحة أن لهذا الإسهاب ما يسوغه حيث كانت أنواع مختلفة من الحيات في مناطق جنوب الجزيرة العربية تمثل خطراً حقيقياً بحيث وظف العرب الجنوبيون خطرها في الترهيب من التعدي على المقدسات أو الممتلكات، قائلة: «وقد ذكر هيرودوتوس أيضاً أنه كان يمكن في أثناء جمع البخور إبعاد الحيات عن الأشجار بحرق نوع خاص من أنواع البخور رائحته طاردة لها، وهو ما يشير إلى أنهم توصلوا إلى طرق تقيهم شرها، ونسجوا حول قدرتها على الأذى الأساطير، كما ربطوا بينها وبين الجن إمعاناً في ترهيب من تسول له نفسه ارتكاب المحظورات.
ثم ألقى الدكتور رضا عبدالجواد كمال من جامعة الملك سعود بحثاً بعنوان (بيئة بلاد العرب الحيوانية في كتابات بليني الأكبر)، وبدأها بالإشارة إلى أن المؤرخ الموسوعي الروماني بلينوس الأكبر (23-79م) يعد من أبرز الكتاب الكلاسيكيين شعفاً بالكتابة عما يعرف بالتاريخ الطبيعي، الذي وضع فيه مؤلفاً بلغ عدد كتبه سبعة وثلاثين مجلداً، وأن مما يدل على أهمية هذا الكتاب أنه الوحيد الذي وصلنا من أعمال المؤلف، وأن بلينيوس نفسه فقد حياته بسبب شغفه العلمي بالظواهر الطبيعية، وأشار الباحث إلى أن بلينيوس قد غطى في موسوعته الطبيعية جميع ما توصل إليه من معلومات عن الطبيعة والجغرافيا والسكان والبيئة الحيوانية والنباتات والزراعة وعلم الأدوية وعلم المعادن ومعلومات أخرى، وأنه على الرغم من أنه اعتمد في كتابته على ما سبقه من مصادر فإن كتابه يُعد من أشهر المؤلفات الكلاسيكية على الإطلاق، خاصة أنه أضاف إلى ما سبقه ما توصل الرومان إلى معرفته في بداية العصر الإمبراطوري عن كثير من الأماكن التي سيطروا عليها.
وقال الباحث: «ويعد مؤلف التاريخ الطبيعي من أهم الكتابات التي أشارت إلى بلاد العرب في القرن الأول الميلادي، وقد تناول بلينيوس في كثيراً من الموضوعات التي لا تقتصر على جغرافية الجزيرة العربية وسكانها ومدنها، وأورد كثيراً من المعلومات عن نباتاتها، فقدم وصفاً مفصلاً عن التمور والمر والهال والزنجبيل والنخلة والخيار البري، ووصف ذهبها وأحجارها الكريمة أيضاً بشيء من التفصيل».
وناقش بحث الدكتور رضا ما ورد في الكتاب عن طيور الجزيرة العربية وحيواناتها، موضحاً أن أهمية الكتاب تتمثل في أنه يركز على جانب لم يحظ بقدر كبير من الاهتمام بين الباحثين الذين ركزوا عادة على جغرافية الجزيرة العربية وسكانها ومواردها النباتية والعطرية، وأن البحث يسعى إلى مقارنة ما ورد في كتاب بلينيوس عن البيئة الحيوانية لبلاد العرب بما ورد في الكتابات الكلاسيكية السابقة عن هذا الموضوع، وأن الدراسة تستكمل صورة لتلك البيئة عند الكتاب الكلاسيكيين بالمصادر الأثرية والنقوش المعاصرة لتلك المرحلة، وأن البحث يناقش أيضاً أهمية الجمل في بلاد العرب الذي ذكر بلينيوس أنه بسنام وحد مقارنة بالجمل ذي السنامين، وذكر استخداماته المدينة والعسكرية، وأنواع الأغنام والطيور الخرافية، وكذلك حيوان الخنزيرالذي أشار بلينيوس إلى وجوده في بلاد العرب في تلك الآونة.
بعد ذلك ألقت الدكتورة ماريا ليونتسيني من معهد الدراسات التاريخية اليونانية بحثها الموسوم بـ (الممارسات والسلوكيات والمفاهيم المتعلقة بالحيوانات المستأنسة والبرية في العالم العربي من الكتاب الكلاسيكيين حتى كتاب أواخر العصور القديمة)، حيث استهلت محاضرتها إلى أن بحثها يسعى إلى جمع المعلومات الموجودة في كتابات المؤلفين الكلاسيكيين التي تشير إلى الحيوانات المستأنسة التي كانت تعيش في بلاد العرب في العصور القديمة، وأن أحد الموضوعات الأساسية التي يتردد ذكرها في المصادر الأدبية يتمثل في النشاط المرتبط بحياة الرعي، مثل رعي القطعان والرعي المتنقل، وأن الحيوانات البرية الموجودة في المناطق التي كانت الجماعات العربية تعيش أو تتنقل فيها أو تتعامل معها تدخل في نطاق بحثها.
وركزت الباحثة على الحالات المتعلقة بالجزيرة العربية، ودراسة ظاهرة الاشتغال بالصيد الذي كان عادة واسعة الانتشار، كما بذلت جهداً لتوضيح إسهامات المؤلفين الكلاسيكيين في تعريفنا بأنواع الحيوانات وعاداتها ونظرة الناس تجاهها، كما أوضحت الباحثة في دراستها كيفية انتشار هذه الموضوعات في النصوص التالية للمرحلة الكلاسيكية، وبواسطة كتاب أواخر العصور القديمة حتى أواخر القرن السابع الميلادي.
وأخيراً عقدت الجلسة السابعة والأخيرة تحت رئاسة الدكتور مسفر بن سعد الخثعمي من جامعة بيشة، حيث بدأت الجلسة بالبحث الموسوم بـ (الساحل العربي للجزيرة العربية كما ورد في كتاب أجاثارخيديس عن البحر الإريثري: دراسة نقدية) للدكتور الحسين أحمد عبدالله من جامعة طيبة، الذي استهل محاضرته بقوله: «معلوماتنا عن حياة أجاثارخيديس قليلة، وهذا القليل أشار إليه استرابون في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، حيث قال إن أجاثارخيديس كان واحداً من المشائين، وكذلك الحال حين أورد فوتيوس مقالة موجزة عن حياته في كتابه (المكتبة)، وعندما بدأ أجاثارخيديس كتابه عن البحر الإريثري في مرحلة متأخرة من عمره، كان مؤلفاً على درجة كبيرة من الخبرة والنضج»، وأشار إلى كتاب (عن البحر الإريثري) حيث ناقش العالم الآهل بالسكان والحدود المناخية، كما وصف ساحل الجزيرة العربية الغربي.
بعد ذلك ألقى الدكتور ممدوح درويش مصطفى من جامعة المنيا بحثاً عنوانه (العرب والفرس في كتابات هيرودوت)، مشيراً إلى أن من أهم الأحداث التي شهدتها بلاد اليونان في العصور القديمة سلسلة من الحروب عرفت باسم الحروب الميدية أو الحروب الفارسية، نسبة إلى بلاد فارس المسماة ميديا عن الإغريق، وأن هذه الحروب كانت في القرن الخامس قبل الميلاد وامتدت في جولات بدأت نحو 490ق.م واستمرت حتى عام 479ق.م، وكان ميدان هذه الحروب بلاد اليونان نفسها، إذ كان الأخمينيون يغزون بلاد اليونان للتوسع في إمبراطوريتهم التي امتدت حينئذ من بلاد فارس لتشمل آسيا الصغرى وبلاد الرافدين وإقليم سوريا حتى مصر، وأن الأخمينيون أرادوا من وراء هذه الحروب وضع أقدامهم في أوروبا، ولكن نجح الإغريق في وقفهم وطردهم من بلادهم.
وقال الباحث: «في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد ظهر المؤرخ هيرودوتوس والذي اهتم بهذه الحروب وسجل أحداثها، حيث بدأ كتابه ببحث عن أسباب الصراع بين الفريقين، وعن الاختلاف الحضاري بينهما، وقرر أن يرتحل لزيارة مناطق سيطرة الإمراطورية الأخمينية ليكتب كل ما يستطيع عن هذا الموضوع»، وأشار الباحث أن من ضمن المناطق التي زارها كانت مصر، حيث سجل في كتابه المعروف باسم (تواريخ) أو (تحقيقات) جميع ملاحظاته، مشيراً إلى أن من ضمن الشعوب التي أشار إليها كان العرب الذين أطلق عليهم لفظ (أرابيوي).
وألقى الباحث الضوء في بحثه على علاقة الفرس بالعرب في تلك المرحلة، مع ملاحظة أن المنطقة الوحيدة التي لم يمتد إليها نفوذ الفرس كانت الجزيرة العربية.
ثم ألقى الدكتور حسين أبوبكر العيدروس بحثه الموسوم بـ (نظرة الكتاب الكلاسيكيين لعرب جنوب الجزيرة العربية).
ثم ألقت الدكتورة هند بنت محمد التركي من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بحثها الموسوم بـ (نظرة الكتاب الكلاسيكيين للبخور في كتابات بلينيوس)، مستهلة بحثها بذكر ما تحتله الجزيرة العربية من موقع جغرافي متميز على ملتقى الطرق التجارية الإقليمية والعالمية البرية والبحرية، وهذا ما مكن سكانها من أن يصبحوا همزة وصل حضارية بين شعوب أقطار الشرق والغرب، كما كان للمكانة البارزة التي أحلتها الجزيرة العربية في إنتاج المواد العطرية من لبان ومر وبلسم دور في أن لا يكون سكانها وسطاء تجارة فحسب، بل شركاء في بناء الحضارة الإنسانية وتطورها، وأنه لتلك العوامل ازدادت أهمية الجزيرة العربية فأصبحت محط أنظار الكتاب الكلاسيكيين، فكتبوا عن تاريخها وحضارتها وطرقها ومراكزها التجارية، فشكلت كتاباتهم تحقيقات مفصلة وموضوعية عن أحوال الجزيرة العربية. وقالت الباحثة الدكتور هند التركي: «ومن أهم الكتاب الذين اهتموا بالجزيرة العربية بلينيوس الأكبر الذي تميز في كتابه (التاريخ الطبيعي) بالكتابة عن الجزيرة العربية تفصيلاً، ويمكن تقسيم حديثه إلى قسمين: قسم يتحدث فيه عن مساحتها وثرواتها وما فيها من المدن والمواقع والخلجان والجبال وطرق التجارة والمسافات بين بعض المراكز الحضارية، أما القسم الثاني فيقدم فيه تحقيقاً عن طيوب الجزيرة العربية وتوابلها، ومن أهمها اللبان والمر، وأشجار تلك الطيوب ومواسم المحصول، وطرق استخراجه وجمعه». كما تناول البحث ما ذكره بلينيوس عن الجزيرة العربية بالدراسة والتحليل، وتحديد أسباب اهتمامه بالكتابه عنها وعن طيوبها ونباتاتها العطرية، موضحاً أهمية البخور ودوره واستخداماته في مجتمعات العالم القديم، حيث عرف البخور بعدد من المسميات (ذهب، رند، قسط، ضرو، طيب)، مع التركيز على دور العرب وتميزهم في تجارة البخور، حيث شعلوا منذ منتصف القرن الثالث قبل الميلاد مركزاً متميزاً في تجارة البخور الذي مثل إنتاجه وتصديره مصدراً مهماً لثرائهم.