عبدالله بن موسى الطاير
باحثة أوربية في جامعة اسكتر البريطانية سألتني عن سبب معارضة بعض الكتاب الإطاحة بنظام ولاية الفقيه في إيران، وفي ذات السياق نقلت لي دهشتها مما ورد في مقالة نشرها موقع المنتور في 26 يناير الماضي ضمنها الأمريكي بروس ريدل اتهاماً للمملكة بأنها مارست في السنوات الثلاث الماضية ضغوطاً غير مسبوقة على الشيعة في الداخل وفي الدول المجاورة إرضاءً لما أسماه «المطاوعة الوهابيين».
بروس ريدل ضابط مخابرات سابق خدم في المملكة، ويقدم على أنه خبير في الشؤون السعودية، والاتهام المشار إليه في المقالة لا يمت إلى الواقع بصلة، ولا ينسجم مع الإصلاحات السعودية الجارية التي ترفض التشدد وتدعو إلى الاعتدال، والتعايش مع غير المسلمين فضلاً عن المسلمين من جميع الطوائف. وهي عملية إصلاح حقيقية امتدحها توماس فريدمان الذي شارك معه في ندوة سابقة للمقالة.
الحوار مع الباحثة قادني إلى استعادة مضمون ندوة عقدت في أول ديسمبر 2017م شارك فيها توماس فريدمان وبروس ريدل بعنوان «مستقبل السعودية ودورها الإقليمي». توماس فريدمان قال في تلك المحاضرة إن إيران هي بطل العالم في أولمبياد تجنيد الخلايا النائمة، إذ خلال أربعة عقود امتلكت مهارة كبيرة وقوة لا يستهان بها في زراعة أذرعها في العالم، ويمكنها فعل الكثير من الجرائم الإرهابية دون أن يعاقبها أحد عليها؛ وضرب أمثلة باغتيال الحريري، وتفجير السفارة الأمريكية في بيروت، والمركز الثقافي الإسرائيلي في الأرجنتين، ويمكن أن نضيف إلى ذلك العديد من الهجمات الإرهابية التي تم تسجيلها ضد دول أخرى خشية من اتهام إيران.
أمريكا منذ الأيام الأول للثورة الإسلامية في إيران تعاملت بدم بارد مع الإهانة التي لحقت بها إبان احتجاز دبلوماسييها في طهران لمدة 444 يوماً. وفي مخالفة للتقاليد الدولية دفعت أمريكا فدية كبيرة لإطلاق سراحهم تمثّلت في نقل الأسلحة إلى إيران فيما عُرف بإيران كونترا. لم يتوقف الإذعان الأمريكي للتهديدات الإيرانية عند هذا الحد وإنما انصاعت لمطالب إيران بالانسحاب من الشرق الأوسط بعد تفجير سفارتها في بيروت عام 1983م وقتل العشرات من البحرية الأمريكية، واستمر دعم إيران بالأسلحة من أجل إطلاق الرهائن الأمريكيين في لبنان.
هل كان توماس فريدمان ورفيقه بروس ريدل يخوفان المملكة من إيران؟ أم ينتقدان الدولة العظمى التي ركعت عند ركب الملالي تتوسل أمن مصالحها في الخارج ومواطنيها في الداخل؟ قلنا ونكرر بأن أمريكا وأوروبا تخاف من سطوة إيران، فالدول الديمقراطية لا تخشى الحروب التقليدية ولكنها تخاف من الهجمات الإرهابية التي تهدّد مصالحها، وتعكر صفو أمنها الداخلي وتنعكس نتائجها على استطلاعات الرأي العام.
العالم اليوم أمام فرصة للتخلص من هذا الرعب الذي يفرض سطوته على المؤسسات الأمنية الأمريكية؛ فوجود رئيس بمواصفات دونالد ترامب قد لا تتكرر في البيت الأبيض؛ هذا الرجل يفكر خارج الصندوق التقليدي المسكون بالهلع من خلايا إيران النائمة. وقد لاحظنا تسارع وتيرة التضييق على وكلاء إيران وأجهزتها عن طريق العقوبات تحت بند مكافحة الإرهاب. فهل يتمكَّن الرئيس ترامب من كسر حاجز الهزيمة النفسية وتحرير المؤسسات الأمريكية من قيد الشبح الإيراني؟