د. محمد بن عبد الله ال زلفة
بمناسبة اليوم الوطني الماضي أقام مركز آل زلفة الثقافي والحضاري معرضاً تاريخياً يحكي قصة تاريخ المملكة وقيامها في طورها الحديث بقيادة المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- افتتح هذا المعرض سمو أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد وسمو نائبه المرحوم الأمير منصور بن مقرن وزار المعرض المئات من أبناء منطقة عسير وغيرهم من جميع أنحاء المملكة.
ماذا يتضمن هذا المعرض؟
المعرض في مجمله يهدف إلى توثيق أسماء كل من أسهم في بناء وحدتنا الوطنية وخاصة القوى المحاربة منهم وما تمكنا من الحصول عليه من أسماء هؤلاء المحاربين الذين يجب أن أقرر حقيقة أن غالبية ما تم العثور عليه من أسماء هؤلاء الرجال كان بالصدف المجردة التي جاءت نتيجة إصرار وإيمان من قبل القائم على المعرض بأنه ليس من المعقول أن لا يكون هناك من قام بتسجيل أسماء هؤلاء الرجال لأسباب متعددة لم يكن من بينها رغبة في كتابة سجل خالد لهؤلاء الرجال وإنما لأسباب إدارية ومالية بحتة ثم يتم رمي ولا أقول حفظ هذه الوثائق والسجلات والمراسلات وإنما تركها في أكياس لقدرها ربما تبقى إلى أن تنتشلها أيادٍ أمينة أو تذهب ضحية للآفات أو القوارض لم تكن أسماء المحاربين الذين أسهموا في ضم منطقة عسير متوفرة ولم نتمكن من العثور عليها لعدم عثورنا على سجل وثائقي يتحدث عنهم لأن الإدارة في منطقة عسير كانت في مرحلة انتقالية ولم تكن قد تأسست بالشكل الذي شهدته بعد سنوات قليلة من سنة الضم 1338هـ وهذا الفصل أو الصفحة في المعرض يحمل عنوان:
ضم عسير للوحدة الوطنية عام 1338هـ / 1919م.
الصفحة أو الفصل الرابع من المعرض تحت عنوان: ثورة عسير والقضاء عليها بقيادة الأمير فيصل بن عبدالعزيز 1341هـ
ويشتمل هذا الجزء من المعرض على المراسلات والوثائق والصور التي تحكي القصة الكاملة لما حدث خلال هذه الفترة.
ومرة أخرى أقول بكل أسف لم نجد أسماء المحاربين الذين شاركوا في القضاء على تلك الثورة أو الفتنة مسجلة في قوائم منظمة للسبب الذي أشرت إليه سابقاً عدم نشأة الإدارة المنظمة وهذا الموضوع أي سجل أسماء المحاربين يشكل العمود الفقري لفكرة هذا المعرض الذي أردنا به أن نسجل أسماء كل من شارك في بناء وحدة هذا الوطن.
الفصل الرابع من العرض ويحمل عنوان: ضم جازان للوحدة الوطنية عام 1351هـ بقيادة الأمير عبدالعزيز بن مساعد
وهذا الحدث يشكل أهمية قصوى لأنه بضم جازان يكتمل عقد الوحدة الوطنية لأن ما كانت تشكله منطقة جازان من وضع غير مريح سببه وجود الحكم الذاتي للسيد الإدريسي المنضوي تحت الحماية السعودية ومحاولة التدخل في شؤون هذا الإقليم المهم من قبل قوى إقليمية مثل إمام اليمن وبعض القوى المعادية للمملكة وقيام السيد الإدريسي بما يسمى بالثورة والارتماء في أحضان القوى المعادية للمملكة.
فقرر الملك عبدالعزيز وضع حد لوضع منطقة جازان وذلك بضمها نهائياً للمملكة؛ وبضمها أعلن مسمى المملكة الحديث والأخير وهو المملكة العربية السعودية وتم توجيه قوات برية ضد جازان بقيادة الأمير عبدالعزيز بن مساعد منطلقاً من أبها. وقوى محمولة براً وبحراً من جدة بقيادات يشكل معظمها نواة قوة الهجانة وهي المرحلة الانتقالية بين مرحلة محاربي الإخوان والجيش الحديث الذي أسس فيما بعد شارك في هذه الحرب معظم القوى المحاربة من أبناء القبائل البادية والحاضرة من نجد ومن السراة كما شارك فيها المحاربون من أبناء حاضرة نجد. ومن المهم ولتحقيق الغاية من هذا المعرض وهو توثيق أسماء كل من شارك في هذه الحرب سواء بأسمائهم كاملة أو بأسماء قبائلهم ومناطقهم وهجرهم مشتملة على إجمالي أعداد هؤلاء المحاربين وهذا يعد مرحلة متقدمة في التوثيق وذلك بفضل الإدارة المحلية في منطقة عسير المتسمة بدقة التنظيم من خلال جهاز إداري ومالي على درجة عالية من التنظيم وكان هذا العمل المنظم الذي ظل محفوظاً في إدارة مالية أبها وتمكن معد والقائم على هذا المعرض من خلال علاقاته مع المسؤولين في مالية أبها من الاطلاع على ذلك المصدر الوثائقي المهم أبان ما كان محفوظاً في أكياس مرصوصة بعضها فوق بعض في أقبية شبه مظلمة مكثت فيها أيام وليال أنبش على ما يمكن التنبيش عليه الذي بفضل تلك الجهود نقوم بعرض أعداد المحاربين وأسماء قبائلهم وهجرهم ومناطقهم.
أما قوة الهجانة التي شاركت في هذه الحرب فالفضل يعود في الحصول على بعض أصول وثائقها إلى ما تركه أول كاتب للهجانة في أول تشكل لها وهو عبدالله بن علي بن خنفور من أبناء مدينة أبها الذي عاصر دخول القوات السعودية الحجاز وانخرط في خدمة الجيش السعودي منذ أن كان في مرحلة الهجانة إلى أن أصبح جيشاً منظماً تمكن هذا الرجل المبدع الحريص على أداء عمله بشكل دقيق ومنظم أن يحفظ أوراقه في كل مراحل خدمته في الجيش السعودي إلى سنة تقاعده في السبعينات الهجرية من القرن الماضي مكوناً بتلك الأوراق أرشيفاً يعد مرجعاً لكل من يريد أن يكتب عن تاريخ الجيش العربي السعودي، تعرضت كثير من أوراقه للإهمال بعد وفاته والتي تركها في المكان الذي اعتاد حفظها فيه في مبنى أو غرفة منفردة داخل مزرعته حيث تعرض بعضها للتلف وكان لي شرف الكشف عنها بعد أكثر من ثلاثين سنة بعد وفاته -رحمه لله- ولكن البعض منها تعرض للتلف بسبب ما تعرضت له غرفة حفظها من أمطار وسيول وقد كتبت عن هذا الرجل بحثاً كاملاً وقصة علاقتي مع وثائقه -رحمه الله-.
الفصل أو الجزء الخامس من المعرض وهو بعنوان: الحرب السعودية اليمنية عام 1352هـ / 1932 م بقيادة الأمير سعود بن عبدالعزيز ولي العهد
هذا الفصل من وجهة نظري هو الأكثر غزارة من حيث التوثيق والأكثر أهمية من حيث المحتوى والمضمون ومن حيث الغرابة في اكتشاف هذا الكنز الوثائقي فلقد تم العثور عليه -أي هذا الكنز- في أحد الحُجر المهجورة التي كانت تستخدمها الإدارة المالية في أبها أحد مخازنها فأهمل المخزن والمخزون به وتم حتى نسيان موقعه بعد أن غيب الموت أبطال من قام بهذا العمل الوثائقي الرائع والغريب أننا من خلال الاهتداء إلى هذا المخزن بالصدفة لم نجد فيه سوى هذا التسجيل الموثق لكل ما يتعلق بالحرب السعودية اليمنية وهي أكبر حرباً فرضت على المملكة في تاريخها وفي مرحلة خطرة من تاريخها وذلك بعد اكتمال وحدتها وإعلان ذلك بإعلان يوم وحدتها 21 الميزان 1351هـ الموافق 22 سبتمبر 1932هـ.
واجهت هذه الوحدة أول تحدي يهددها من الخارج من اليمن ومن كان يقف إلى جانبه من قوى معادية للمملكة.
سبق هذه الحرب الكثير من المحاولات من قبل المملكة في تجنبها نتج عن هذه المحاولات الكثير من المصادر الوثائقية التي سجلت بشكل مفصل ودقيق وثائق ومحاضر تلك المحاولات مما جعل منها مادة تاريخية دسمة أثرت قيام هذا المعرض.
وما كان لهذا السجل الوثائقي أن يكون ويبقى ويرى النور لو لم يحظ باهتمام رجال شاركوا في كل هذه الأحداث ويأتي على رأسهم الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة الذي لم يكن مجرد مدير ماليات المنطقة الجنوبية بل كان سياسياً ومقاتلاً ومشاركاً في كل الأحداث التي شهدتها المنطقة فحافظ بحكم تعددية وظائفه ومهامه على هذه الوثائق منها ما كان محفوظاً في مباني الإدارة المالية وخاصة تلك المتعلقة بالقضايا المالية وتموين الجيوش وكان يساعده فريق عمل منظم على درجة عالية من التأهيل يعود تأهيل الكثير منهم إلى العهد العثماني والمدارس العثمانية التي أسستها تلك الدولة في مدينة أبها.
أما الوثائق ذات الطبيعة السياسية فكان الشيخ عبدالوهاب يحتفظ بها بطريقته الخاصة لم يبخل بها أبناؤه الشيخ سعيد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وابنه الشيخ محمد بن عبدالوهاب اللذان تولى إدارة المالية من بعد والدهم الشيخ عليّ أنا خاصة من الاطلاع على تلك الوثائق.
هذه الوثائق والبيانات التي تم العثور عليها في تلك الحجرة المهجورة والتي تم انتشالها من تحت أكوام من الأتربة ثم نقلها بحذر إلى بيت الأخ محمد بن عبدالوهاب أبو ملحة في مزرعته في المحارث وخصصنا لها غرفة لتنظيفها أولاً من الأتربة بعد أن أحضرت كمامات لتفادي الغبار وقفازات لوقاية الأيدي أثناء تنظيف تلك الوثائق. عملنا تماماً مثل ما يعمل علماء الآثار الذين يولون ما يعثرون عليه من المكتشفات عناية فائقة إن المهتمين باكتشاف الوثائق وخاصة ما كان منها تحت الأنقاض وفي الأماكن المهجورة لا يقل عملهم أهمية من عمل علماء الآثار فكلهم ينشدون البحث عن الدلائل للوصول إلى الحقيقة. فالآثاريون يقومون بالبحث عن أثر تركه الإنسان ومعلومة تدل على حدث تاريخي أو من صنع ذلك الحدث في عصور أو حقب قديمة في التاريخ.
أما المؤرخ في العصور التي بدأت فيها الكتابة فيقوم بقراءة النصوص التي لم تعد بحاجة إلى التخمين أو الحيرة في اسم من صنع الحدث ومن شارك فيه بل هي ماثلة في ما كتبه الإنسان ولكن الخطورة تكمن إذا تعرضت تلك النصوص إلى الإهمال أو الضياع فإننا بذلك نفقد حقيقة وقوع الحدث أو من قام به.
أريد القول إن المؤرخ الحديث وخاصة في تاريخ المملكة الحديث يقوم بدور كبير يفوق دور الآثاري الذي يقوم بالتنقيب في موقع أثري في أي جزء من أنحاء المملكة فالآثار غالباً ما تكون مطمورة تحت الأرض والأرض كفيلة بحفظها وما لم يكتشف منها اليوم يكتشف غداً أو بعد سنين ولكن المصادر الوثائقية غالباً ما توضع في مستودعات وخاصة في البلدان المتخلفة أما البلدان المتقدمة فإنها تحفظ وثائقها وذاكرة شعوبها في دور محفوظات منظمة محفوفة بعناية فائقة. بكل أسف أقول إن البلدان العربية ومنها بلادنا العزيزة أهملوا وثائقهم التاريخية ولذا تجد الباحث العربي من أي بلد إذا أراد أن يكتب عن جانب من تاريخ بلده يشد الرحال إلى أرشيفات الدول المتقدمة للبحث عن مصادر تاريخ بلده. وما ينطبق على الوثائق ينطبق على آثارنا العربية التي اهتم بها المؤرخ والآثاري الغربي ونقب عنها ومن ثم أخذوا ما تم اكتشافه إلى متاحفهم وقاموا بدراستها والحفاظ عليها وأحياناً إن لم يكن غالباً أقول خيراً فعلوا لأنها لو بقيت في مواطنها الأصلية لتعرضت للإهمال والتدمير والسرقة قد يقول البعض إن ما أقوله هو نوع من جلد الذات فليكن الأمر كذلك. انظر إلى ما يحدث لآثار العراق وسوريا واليمن من تدمير وحرق وسرقة.
أعود إلى الحديث عما تم اكتشافه في ذلك المستودع المتهدم المهجور من وثائق وتجاوز مرحلة التنظيف إلى مرحلة الفرز والقراءة الذي استغرق العديد من الأيام وأنا آتٍ من قريتي يومياً إلى المحارث وأنا في غاية السعادة اكتشفت سجلاً كاملاً عن الحرب السعودية اليمنية، تلك الحرب التي كنا نسمع عنها منذ مراحل طفولتنا وأصبح يؤرخ بها مثل هل فلان ولد قبل حرب باقم كما كان البعض يسميها ولا بعده وما يحمله كبار السن من ذكريات أحداث تلك الحرب وما قبلها وما بعدها حيث إن أكثر من عشرين ألف مقاتل وفي بعض التقديرات أكثر من ذلك احتشدوا في المناطق الممتدة ما بين خميس مشيط وأبها وأحد رفيدة ومكثوا في هذه المناطق مدة زادت عن السبعة أشهر امتزجوا مع المواطنين وتزوج بعضهم وأصبحت لهم مصاهرات مع أبناء البلد وهم ينتظرون نتائج المحادثات الجارية بين المملكة واليمن لعلها كما كان يتمنى الملك عبدالعزيز تنتج عن تفادي وقوع حرب بينما إمام اليمن كان متعمداً في إطالة أمد المباحثات لهدف إنهاك الجيش السعودي وشعوره بالملل من طول الانتظار إضافة إلى رغبة الإمام في إنهاك الخزينة السعودية التي لم تكن أوضاعها على ما يرام ولكن الذي كان يعوضها وقفة المواطنين في منطقة عسير الذين بذلوا كل جهدهم في مد الجيش بكل ما يحتاج إليه من مؤن من حبوب ودهن ومواد لوجستية كثيرة.
ووجدنا في هذه الوثائق تفاصيل أوضاع المحاربين وقوائم مفصلة بأعدادهم وأسماء قبائلهم ومناطقهم وأنواع أسلحتهم وأعداد خيولهم وطريقة الصرف عليهم.
وحينما لم تنجم المباحثات عن شيء وتم اكتشاف مماطلة إمام اليمن وأسباب رغبته في إطالة أمد المباحثات للأسباب التي أشرت إليها بل كانت المفاجأة إصدار أوامره بتقدم جيشه نحو نجران والاستيلاء عليها وهو لا يزال يناور بالمباحثات صدرت أوامر الملك عبدالعزيز بتحريك الجيوش من خميس مشيط وأحد رفيدة بالتقدم إلى مناطق الحدود ظهران الجنوب ونجران هذا على الحدود الجبلية ودخلت السيارات في هذه الحرب لأول مرة وكان تمهيد الطرق تشكل عائقاً أمام تقدمها بقيادة ولي العهد الأمير سعود وجبهة أخرى ساحلية بقيادة الأمير فيصل بن عبدالعزيز.
تفاصيل تقدم كل من الجيوش على الجبهتين وجدناها مفصلة في هذه الوثائق التي لو لم يتم العثور عليها لكنا فقدنا معرفة تفاصيل تلك الحرب التي أعتقد أنها أكبر حرب شهدتها الجزيرة العربية كاملة التفاصيل بسبب العمل الجبار الذي قام به كتبة المال من منسوبي مالية أبها وتلك الرسائل المتبادلة بين قادة الجبهة خاصة الجبلية بقيادة الأمير سعود بن عبدالعزيز ولي العهد ويشاركه في القيادة عدد من أبناء عمومته من الأمراء السعوديين من الجيل الثاني وهم في أغلبهم لم يتجاوزوا الثلاثين من أعمارهم وكان الملك عبدالعزيز قد أعد هذا الجيل للقيام بهذه المهام حفاظاً على أهم وحدة حققها في تاريخ الجزيرة العربية.
هذه الحرب التي شارك فيها كل أبناء هذا الوطن من كل مدنه وقراه وهجره كما تبين القوائم التي سجلت فيها أسماء هؤلاء المحاربين المدافعون عن وطنهم وعن وحدتهم التي صنعوها.
وبانتهاء الحرب التي كان النصر فيها للجيش السعودي ثم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود الذي ظل إمام اليمن يماطل فترة طويلة على القبول بها ليس أن له أرضًا اقتطعت من بلده وإنما رغبة في خلق التوتر وكان بشهادة مؤرخي بلده من جر اليمن إلى حرب كان هو الخاسر فيها. والخاسر الأكبر هو الشعب اليمني تماماً كما يفعل الحوثيون في الوقت الراهن.
وفي هذا المعرض نصوص اتفاقية ترسيم الحدود واتفاقية الطائف بنصوصها منشورة في جريدة أم القرى والعدد الأصلي الذي نشرت فيه. ووثائق الوساطات العربية التي حاولت الصلح بين الطرفين وهذه الوثائق يتم الكشف عنها وتعرض لأول مرة وهي من وثائق خزانة إمام اليمن للأوراق التي تم نهبها بعد قيام ثورة اليمن عام 1962م. وهي ما تم العثور عليها بالصدفة المجردة ولعل الكثير من الصدف إلى جانب الإصرار ما ساعد على الكثير من الاكتشافات لصفحات كادت أن تكون في عداد الكنوز الوثائقية المفقودة.
المعرض مقام في قاعة مساحتها أربعمائة متر وسيظل مفتوحاً إلى نهاية صيف هذا العام.