عمر إبراهيم الرشيد
شكلت الإنجازات والنجاح والشهرة للاعبين الأفارقة أو من أصول أفريقية في كرة القدم العالمية والأوروبية تحديداً ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل. ذلك أن عدداً كبيراً منهم نجح برغم خلفيته الاقتصادية والاجتماعية البسيطة، والتي منها يكون اللاعب عرضة للإصابة بالصدمة الحضارية كما هو شائع في علم الاجتماع، هذه الصدمة تأتي لهشاشة هذا اللاعب أمام عواصف التغيير التي يقابلها عكس بيئته البسيطة التي ترعرع فيها في وطنه الأم. هذا افتراض بطبيعة الحال وليس قانونا أو أمرا حتمياً فالله عز وجل خلق البشر بقدرات ونفوس وعقول متفاوتة، لكني ذكرت مسألة (الصدمة) حسب استنتاج وافتراض بني البشر عرضاً وتغليباً للظن لكنها كما قلت ليست حتمية أو دائمة الحدوث. جورج وياه، اللاعب الليبيري الحائز جائزة اتحاد كرة القدم العالمية كأفضل لاعب في العالم قبل سنوات، والذي اشتهر بنجوميته في اللعبة الساحرة فغدا نجماً في بلده كما في ملاعب أوروبا، وصل إلى سدة الرئاسة بعد سنوات من العمل الدؤوب، فبعد خسارته انتخابات 2005 أمام ايلين سيرليف، لم يفقد الأمل وإنما أخذ يبني مصداقيته السياسية بموازاة شعبيته حتى نال هدفه بالوصول لحلمه. ليبيريا الدولة الأفريقية الواقعة غرب القارة السمراء تئن تحت وطأة الفقر والتخلف ، هي دولة أنشأها الأفارقة العائدون من العبودية والرق في أمريكا خلال القرن التاسع عشر برغم أنهم أقلية نسبة إلى السكان الأصليين، وسموا عاصمة الدولة مونروفيا تيمنا بالرئيس الخامس للولايات المتحدة حينذاك جيمس مونرو. لكنها وبعد انقلاب عسكري عام 1980 دخلت مثل كثير من مثيلاتها في القارة السمراء في أتون حرب أهلية خلفت دماراً بشرياً وعدم استقرار لم تبدأ في التعافي منه إلا عام 2005، بعد انتخاب أول رئيسة ديمقراطية للبلاد والحائزة لجائزة نوبل ايلين سيرليف. أعود للاعبي الكرة الأفارقة، فمن ينسى الجوهرة السمراء بيليه الذي تسلم لاحقا وزارة الرياضة في البرازيل، ولو واصل جهده لتسلم رئاسة البلاد نظير نزاهته وحب الجماهير له في بلده والعالم. وسبق أن كتبت عن اللاعب المالي عمر كونوتيه الذي لعب لنادي أشبيليه الاسباني، وأسس جمعية للأيتام ورعايتهم وتعليميهم في وطنه الأم، بل وتكفل بشراء الأرض التي عليها مسجد قائم منذ سنوات طويلة في أشبيليه بإسبانيا حتى لا يزيله المالك الجديد للعقار، والأمثلة كثيرة، وصولا إلى جورج وياه الليبيري. هذه الظاهرة وهي تميز عة لاعبين أفارقه ليس كرويا فحسب وإنما إنسانيا وثقافيا، تثبت ان الكثيرين منهم متى ما وجدوا البيئة التي تمنحهم الفرص للإنجاز والنجاح تميزوا، وهذا ينطبق على معظم بني البشر عموما، وان القارة السمراء وما تمر به من نزاعات وحروب في بعض أرجائها يمكن لها الفكاك منها متى ما وجدت قائدا يجمع شعبه ويحارب الفساد ويبني بلده لا ثروته الشخصية. قصة جورج وياه ملهمة للشباب في بلده وأفريقيا بل والعالم، وتدل كذلك على ان الكرة صناعة واقتصاد ومجال انساني وثقافي يصنع نجوما وقيادات في مجالات أخرى، إلى اللقاء.