عبد الرحمن بن محمد السدحان
«لا أخال أحداً من أهل (الولاية العامة) ممّن تتربص به (الإشاعات) أحياناً حول ذمته المالية.. أكثر من رئيس البلدية أو من في حكمه، خاصة إذا كان الأمر الذي تتصارع حوله الألسنُ والنوايا يتعلقُ بموضوع السكن الذي يشغله هذا المسئول، مثالاً لا حصراً!
«ينزع الناس فطرةً في مثل هذا الحال للإصغاء بحرص شديد إلى باقات الأقاويل والإشاعات حول سلوك رئيس البلدية أو تلك، ويجدُ مثل هذا القول زينةً في نفوس آخرين ممن قد يضمرون له الغيظ، تأْسِيساً على موقفٍ سابق لهم منه، فيبنون على الإشاعة أهراماً من القول قدْحاً في ذمته ونزاهته، ويمثل هذا التوجُّه (إسقاطاً) للإحباط الذي نالهم منه بسبب (تَعثّر) تحقيق مصلحة لهم!
«قبل سنين خلتْ، وفي عهد وزير الشؤون البلدية والقروية الأسبق معالي الشيخ إبراهيم العنقري (رحمه الله)، شُرفتُ بالمشاركة في مؤتمر كبير دعتْ إليه الوزارة بمدينة أبها. وكانت ذمة (رئيس البلدية) من أبرز (أجندات البحث) في ذلك المؤتمر، وقد قرأتُ ورقةً كنتُ أعددْتُها للمؤتمر، تناولت الموضوعَ بشيء من التفصيل، مستهلاً حديثي بالسؤال التالي: هل يجوز من حيث المبدأ، خلعُ الشبهةِ على أيّ رئيس بلدية يقيم في سكن جميل واستنفار الظنون بأنه ربما (استخدم) مصادر مالية غير (مشروعة) وصولاً إلى ذلك؟!
ثم استطردت قائلاً:
«يمكن أن يقالَ هنا في شيءٍ من الحيطة بأنَّ ظاهرةَ السكن الفاره لرئيس البلدية قد لا تخرج عن أمرين:
أ) إنْ كان إنشاءُ السكن (سابقاً) لشغل الوظيفة، فأحسب أنه يتعذّر توظيفُ الظنّ غيرِ الحسَن ضده، ومن ثم لا ينبغي الربط بين الظاهرة وواجبات ونوافل الوظيفة.
ب) وإن كان إنشَاءُ السكن (لاحقاً) لشغل الوظيفة بفترة معينة، فقد لا يجد المرء المحايدُ درْءاً من الشك والشك فقط، باعتبار أن رجْمَ البريء بالغيبِ ظلمٌ اجتماعي وخطيئة أخلاقية لا يمحوها إلا دليل قاطع بما يثبتُ العكس!
هنا تبرزُ جُملةُ ملاحظاتٍ تعليقاً على هذا الموضوع :
أولاً: من حق رئيس البلدية كمواطن قبل أن يكون مسؤولاً أن يتخذ لنَفسِه من السكن ما يُريحُه، ولا يستطيع أحد أن يَطعنَ في شرعيةِ هذا الحق وثَباتِه.
ثانياً: قد يقول قائل إنه يجوز أن (يتميّز) رئيسُ البلدية بسَكنٍ يتلاءم مع هيبة الوظيفة ومكانتها، وفي الوقت نفسه، يمنحُه دفءَ المناعة لذمتِه من أوهام الشكِّ والتشكيك فيها. وإذا كان هذا القول صحيحاً، فإنّ توفيرَ مثل هذا السكن قد يأتي بوسيلتين أو أكثر، فمثلاً:
(أ) إِمّا أن تُوفرَّه الدولةُ له، مدةَ شغله المنصب، فتقيه إحبَاطَ العُسْر، وتُخْرس ألسنةَ الشك حوله.
(ب) وإمّا أن تكون لديه مصادرُ يُسْر مشروعة لإشباع هذه الحاجة.
(ج) قد يَنحرفُ به الظنُّ أحياناً خدمةً (للجاه) المطلوب في ظل غياب وسيلة ردع مشروعة.
وبعد..
أكادُ أجزمُ يقيناً أنه كلما أُشْعِر المواطنُ بأسلوب حضاري ذكي، بأن البلديةَ بكلِّ ما تمثّله من أجهزة وتعليمات وإجراءات، تقف معه لا ضِدّه في تحقيق مصلحته، وكلّما تقمصت البلديةُ نفسُها دورَ (المعين) أكثر من (الرقيب) على سلوك المواطن، كُلّما كانت مهمة رئيس البلدية ومعاونيه أيسرَ عِبْئاً، وأقومَ سبيلاً، وسيؤدي وجودُ مناخٍ من الصدق والثقة بين الجهتيْن إلى إقنَاعِ المواطن في النهاية بأنه شَريكٌ في المسئولية والمصلحة مع البلدية، قيادةً وأتباعاً، بدلاً من أن يحشدَ المواطنُ غيرتَه وحماسَه تَرْجيحاً لمصالحه فحسب، حتى ولو رتب إنجازُها إضْراراً بالآخرين! سيكون غيوراً على المصلحة الجماعية، لقناعته بأنه طرفٌ فيها. هذا هو الشعورُ الحقُّ بالمواطنة، القائمُ على الإيثار لا الأثِْرة، وتَرجيحُ الحقِّ العام على الأنانية الخاصة.