يوسف المحيميد
لا أعرف كلما سمعت حديثاً اقتصادياً حول المنشآت الصغيرة والمتوسطة، تذكرت الطبقة الوسطى على المستوى الاجتماعي، فكما أن هذه الطبقة هي صمام أمان المجتمعات، فإن هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي صمام أمان اقتصادات العالم، وما لم تتم العناية بها، في مقابل منح كل التسهيلات للشركات الكبرى والعملاقة، سواء الوطنية أو الأجنبية، فإن ذلك على المدى الطويل سيؤثر على أي اقتصاد في العالم.
وفي المملكة نعاني من ضعف مساهمة هذا القطاع، وضآلة مشاركته في الناتج المحلي الإجمالي، الذي لا يتجاوز 20 بالمائة، في مقابل مساهمة مثل هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة عالميًا بنسبة تصل إلى 70 بالمائة، وهذا ما لا يمنح اقتصادنا الوطني الاستقرار على المدى البعيد، وهو ما جعل الدولة تبادر بإنشاء هيئة عامة خاصة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة، كي تقدم كل الدعم، وتوفر كافة الممكنات لها، كي يكون أسهمها في الناتج المحلي الاجمالي أكبر، ودورها الاقتصادي الوطني مؤثر جدًا.
فما الذي يجعل هذه المنشآت تتعطل، وتخسر، وتخرج من السوق، هل هي الإجراءات الحكومية البيروقراطية، أم صعوبة الحصول على موظفين أكفاء، أم صعوبة الحصول على القروض المالية اللازمة، أم عدم وجود خبرة كافية لملاك هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة؟.
صحيح أن الإجراءات البيروقراطية الحكومية كانت عائقًا كبيرًا، لكنها مؤخرًا بعد التطورات المتسارعة على مستوى الإجراءات الإلكترونية أصبحت أكثر سهولة وسرعة في الإنجاز، حتى وإن كانت لم تكتمل تماما، لكنها في الطريق لأن تصبح أنموذجا مميزا، أما ما يخص السيولة والقروض، فهي عادة تتم بناء على موقف المشأة والملاءة المالية لها، لكن الأكثر تأثيرًا، وإنجاحًا، لهذه المنشآت، هي الكفاءات البشرية الوطنية، وأشدد على الوطنية، لأنها هي ما يفترض أن تبقى وتتطور وتقود منشآتها إلى مزيد من التقدم، لكن ما يحدث على أرض الواقع، هو أن هذه الكفاءات الشابة، بمجرد أن تحصل على فرصة عمل أفضل، في شركة كبرى، ودخل أعلى، تنتقل فورًا، وهذا منطقي وطبيعي إذا أخذنا بنظرية العرض والطلب، لكن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تستطيع أن تحتضن هذه الكفاءات لسنوات أطول، بمنحها المزيد من المزايا لضمان استقرارها.
أعتقد أن على الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة دور وطني كبير، وهي مسؤولة عما يحدث في مساهمة هذه المنشآت في الناتج المحلي الإجمالي، ونتوقع أن لديها استراتيجية واضحة، وهدفاً للوصول إلى نمو هذه النسبة من 20 بالمائة إلى نسبة مماثلة للنسبة العالمية 70 بالمائة، في العام 2030، وأيضًا عليها أن تصدر سنويا مقدار النسبة زيادة أو نقصًا، لمعرفة معدل النمو السنوي لمساهمة هذه المنشآت، وبالتالي معرفة سير أداء الهيئة، ومدى نجاحها أو فشلها في التطوير وتقديم كافة أوجه الدعم لهذه المنشآت.