محمد سليمان العنقري
تزايدت المؤشرات الداعمة لتحقيق قفزات كبيرة بمعدلات النمو الاقتصادي للعام الحالي بالاقتصاد الوطني، وقد تضمن اعلان الميزانية العامة للدولة هدفاً للنمو عند معدل 2،7 % وهو اعلى بكثير مما تحقق بالعامين الماضيين اللذين شهدا تباطؤاً كبيراً بمعدلات النمو بل ان العام الماضي كان معدل التضخم فيه سالباً لكل العام مما يشير لحالة تراجع اقتصادي نظرا لانخفاض الطلب الكلي على السلع والخدمات بسبب تقلص الانفاق الحكومي وتراجع انتاج النفط نتيجة اتفاق منتجي النفط من اوبك وخارجها لدعم رفع الاسعار التي شهدت انخفاضاً حاداً إلا أن اعتماد اكبر انفاق تقديري بتاريخ موازنات المملكة شكل تحولاً جذرياً باتجاه معدلات النمو الاقتصادي نحو الارتفاع لتحفيز الاستثمار ورفع معدلات التوظيف بهدف خفض نسب البطالة.
فقد تم اعتماد ميزانية عامة عند 978 مليار ريال للعام الحالي مع انفاق استثماري من صناديق التنمية وصندوق الاستثمارات العامة تفوق 120 مليار ريال مما سيرفع الانفاق العام الى قرابة 1،1 تريليون ريال يضاف لها ما تضمنته الاوامر الملكية الكريمة باعتماد صرف بدل غلاء معيشة لموظفي الدولة والمتقاعدين، بالاضافة لصرف العلاوة السنوية ودعم مكافآت الطلاب بالجامعات والكليات والتي سيصل مجموعها لما يقارب 50 مليار ريال، مما سيدعم بمجمله النشاط الاقتصادي، اي ان الانفاق العام سيقارب 1،2 تريليون ريال، وسينعكس ايجابا بكافة القطاعات الرئيسية بالاقتصاد وهو ما بدأ يظهر على نمو انفاق المستهلكين الذي نما بحوالي 4 % بالربع الاخير من العام الماضي مما وضح بنمو ارباح بعض شركات التجزئة المدرجة بالسوق المالي عن عام 2017 بنسب جيدة ومع زخم الانفاق الحكومي فإن دور المستهلكين سيستمر بدعم رفع النمو الاقتصادي، يضاف لها ما تم اعتماده لتحفيز القطاع الخاص حتى العام 2020 ببرامج تبلغ تكلفتها 72 مليار ريال.
فعوامل دعم الاقتصاد لتحقيق معدلات نمو جيدة التي تشكل بداية دورة صاعدة جديدة من هذا العام ولسنوات قادمة لا تقف عند الانفاق العام فقط، بل من خلال ارتفاع اسعار النفط لمستويات تفوق التوقعات، مما سيزيد من الايرادات العامة من النفط في حال استمرت الأسعار عند المستويات الحالية عن المتوقع بالموازنة، فرعم أننا ببداية العام ومازال امامنا احد عشر شهراً، لكن اغلب التقديرات لمتوسط اسعار النفط من البنوك العالمية اتجهت للارتفاع عن السابق، فقبل حوالي العام لم تكن لتتجاوز التوقعات للعام الحالي حاجز 55 دولاراً عند اعلاها، حيث تم تعديلها لتتجاوز بالمتوسط لخام برنت عند 62 دولاراً، بينما لم يعد يرى الكثير من خبراء النفط العالميين وحتى البنوك الكبرى عالمياً اي مفاجأة لو وصل سعر البرميل الى مستويات 80 دولاراً، بعد ان تجاوز قبل أيام حاجز 70 دولاراً في اشارة منهم لنجاح اتفاق خفض انتاج النفط من اوبك والمنتجين من خارجها في خفض المخزونات العالمية الفائضة عن متوسط خمس سنوات، حيث كانت المخزونات الفائضة قبل البدء بخفض الانتاج اكثر من 270 مليون برميل، وحالياً بعد مرور حوالي سنة وشهرين على تنفيذ الاتفاق وصلت الى ما يقارب 150 مليون برميل، حسب بعض التقديرات ومع تمديد خفض الانتاج المتوقع ان يستمر للعام الحالي فإن عودة التوازن للسوق تصبح اكثر واقعية، مما سيدعم رفع متوسط اسعار النفط لمستويات اعلى للعام الحالي والاعوام القادمة، وهو ما يعني استمرار تحقيق معدلات نمو اقتصادي محلي عالية تساهم بتحفيز نشاط القطاع الخاص وجذب الاستثمارات مع اطلاق برامج دعم نحقيق رؤية 2030 م هذا العام.
كما يضاف لعوامل دعم النمو الاقتصادي نجاح حملة مكافحة الفساد باستعادة ما يقارب 400 مليار ريال عبر تسويات تمت مع الموقوفين ممن ثبت عليهم التورط بقضايا الفساد، فهذه الاموال الضخمة التي ستوجه لمشاريع تنموية ودعم الانفاق العام بحسب تصريحات لعدد من الوزراء ستضخ بالاقتصاد المحلي بما يعزز من النمو الاقتصادي، الا ان العامل المهم ايضا ان نجاح الحملة أسس لتنافسية افضل بالاقتصاد المحلي، مما سيوسع من قاعدة المشاركة بالاقتصاد من منشآت القطاع الخاص، حيث ستكون المنافسة أكثر عدالة والتكاليف للمشاريع واقعية وسيساعد تطبيق نظام المشتريات الحكومي الجديد بزيادة الفرص امام كافة المنشآت خصوصاً الصغيرة والمتوسطة للحصول على فرص بما يطرح من مشاريع عامة، حيث ستجزأ بدلا من طرحها باحجام كبيرة تصعب المنافسة عليها، مما ادى سابقاً لتشوهات في تنافسية القطاع الخاص.
كما ان ارتفاع معدلات التوظيف العام الماضي يضاف لها ما سيتم من توطين لهذا العام حيث يتوقع ان تنخفض البطالة لهذا العام من 12،8 % الى 12 % مما يعني اضافة اكثر من 100 ألف وظيفة للمواطنين من العاطلين، وهو ما سيسهم بزيادة مشاركتهم الاقتصادية، وينعكس على الاستهلاك وزيادة الطلب على السلع والخدمات.
المحركات الداعمة لتحقيق النمو بالاقتصاد الوطني تم شحنها لتعمل بوتيرة أفضل من العامين السابقين الذين اتسما بالضبابية الناجمة عن الحذر والقلق من ايرادات النفط المتقلبة، تحقيق معدلات النمو المستهدفة لهذا العام لن يكون سهلاً وبالتأكيد تتطلب جهوداً كبيرة من كافة الجهات المعنية من وزارات وهيئات لترجمة ما تم اعتماده لتحفيز الاقتصاد لنتائج تمثل بداية الانطلاقة نحو نمو مستدام، ولذلك فإن العام الاول في هذه الدورة الاقتصادية الصاعدة سيكون مليئاً بالتحديات كسياق طبيعي يواجه اي اقتصاد يتوجه لاستعادة النمو بزخم قوي ينعكس بالايجاب على سوق العمل وزيادة التوظيف للمواطنين مع التوسع بالاستثمارات وزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد.