عبد الاله بن سعود السعدون
تزايد الاهتمام بمراكز الأبحاث والدراسات عالميّاً بشكل واضح وملحوظ في العقود الأخيرة من القرن العشرين. فقد أصبحت تمثِّل أحد الدلائل المهمّة على تطور الدولة وتقييمها للبحث العلمي واستشرافها آفاق المستقبل؛ وذلك وفق المنظور المعرفي لتطور المجتمعات الإنسانية عمومًا، وانطلاقاً من عدّ تلك المراكز مؤشراً للمنجزات الحضارية والنهضوية والثقافية وعنواناً للتقدّم وأحد مؤشِّراته في التنمية ورسم السياسات. وتعد عملية دراسة القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع والدولة وتحليلها، من أهم الأدوار التي تضطلع بها المراكز البحثية عموماً؛ إذ تهدف من خلالها إلى معرفة الأسباب التي تكمن وراءها، وبلورة الرؤى والمقترحات العلمية المتعلّقة بها، ووضع الحلول المناسبة لها. وقد أصبح للمراكز البحثية دور رائد ومتقدِّم في قيادة السياسات العالمية، وصارت أداة رئيسة لإنتاج العديد من المشاريع الإستراتيجية الفاعلة. وهي الجهات الأساسية التي تستطيع رسم خطط المشاركة في تلك المشاريع، والإسهام فيها إسهاماً فاعلاً. كما أصبحت مراكز الأبحاث والدراسات جزءاً لا يتجزّأ من المشهد السياسي والتنموي في العديد من البلدان المتقدِّمة. وقد لا نبالغ إذا قلنا إن لها دوراً أساسياً في نهوض الأمم وتقدُّم الشعوب نحو تحقيق أهدافها. وقد ارتقت تلك المراكز الحديثة إلى حدّ، أصبحت فيه أحد الفاعلين في رسم التوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وأحد المؤثِّرين فيها، وأحد المشاركين في وضع الحلول لها؛ وذلك من خلال توظيف البحث العلمي في خدمة قضايا المجتمع، بتقديم الرؤى وطرح البدائل والخيارات، بما يدعم عمليات صنع إصدارات علمية وندوات، من شأنها أن تضاعف مستوى الوعي لدى صانع القرار والمؤسسات والأفراد.
ومع تزايد زخم الأحداث السياسية والاقتصادية وانعكاساتها على الأمن القومي للدول إقليمياً ودولياً تظهر أهمية مراكز الدراسات والبحوث كسلاح غير منظور بتقديمها الإستراتيجيات والسياسات المستقبلية لصانع القرار السياسي والاقتصادي بما يوجّه الحل الصائب للمشكلات والقضايا المطروحة للنهوض بواقع الدولة وصون الحركة المستقبلية لها بالشكل الأمثل. ولا بد أن تتجه الدراسات والبحوث المتعلّقة بالمستقبل السياسي للدولة نحو التوازن بين الهدف العسكري والوضع الاقتصادي والاجتماعي ومع تشابك العلاقات الدولية تظهر الحاجة ماسة لاتخاذ صانع القرار السياسي ولمصلحة البلاد العليا لاستخدام الإستراتيجية السياسية مرات وتفعيل التكتيك الإستراتيجي حسب ظروف العلاقات والأحداث الإقليمية والدولية المتغيِّرة ولذا يتم الرجوع للتقارير الدورية والدراسات التي تعرضها مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية لصانع القرار السياسي لصنع الأفكار والحلول والمساعدة في المشاركة في ترشيد وتوجيه القرار وتزويد مؤسسات الدولة بالخبراء والمختصين لتقديم الرأي والمشورة وكانت في عالمنا العربي عبارة عن بحوث وتقارير سياسية واقتصادية تقدّم لصانع القرار حول أحداث معينة للاستئناس بما تعرضه من اقتراحات وحلول لبعض القضايا التي واجهتها أمتنا العربية وتعتبر العلاقة الساخنة مع الكيان الصهيوني منذ عام احتلال فلسطين العربية ومع منتصف القرن العشرين بدأ إدراك الدبلوماسية وهيئات التخطيط الاقتصادي في مجموعة الدول العربية لأهمية مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية مع تكاثر الأزمات السياسية داخلها وتأثير الأحداث الإقليمية والدولية وتشابك العلاقات الدولية في نهاية القرن العشرين.
من أجل نجاح أعمال هذه المراكز الخليجية والعربية والاستفادة القصوى من الدراسات والتقارير التي تقدّمها يأتي عامل الفضاء الحر الذي يحيط بطريقة النقاش وتقديم الآراء والأفكار المعروضة وثانياً الأخذ بالسياسات والبحوث الإستراتيجية المعروضة حيال قضايا الساعة ومناقشتها وتحليلها معهم من قبل صاحب القرار وأخيراً وليس آخراً تهيئة الميزانية المالية للتشغيل لتقابل طموحات المختصون والباحثون في إجراء بحوثهم ودراساتهم الإستراتيجية بفائض مالي لتمويلها.
إنني أتمنى على الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي ممثلة في قطاع الشؤون السياسية تشكيل هيئة استشارية من الخبراء في الملفات الخليجية والإقليمية لمناقشة الملفات والقضايا الإقليمية والدولية والوصول للسياسات والحلول المثلى لكل الملفات المهمة إقليمياً ودولياً.