د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يمثل دعم الاختراع ورعاية الموهبة مُتكأ وطنيًا تنمويًا ملحًا نحاكيه في بلادنا موئل «وادي عبقر» من خلال ترقية استراتيجيات التمويل للأفكار الإبداعية، وتوسيع نطاقات رعاية الموهوبين والمخترعين، ودعم الابتكارات الوطنية السعودية منذ تلقيها من أصحابها، ولكن وهج الاختراع لدينا ما زال خافتا، وأعني بذلك المنتج النهائي لابتكارات المخترعين التي غابت إلا لُماما رغم ما يصطف كل عام من ابتكارات المبدعين في منصات العرض الوطنية، وذلك الغياب لم يسقط سهوًا! ولكنه التواري عن الأولويات في إستراتيجيات رعاية الابتكار وأهمها تطوير ودعم الاختراع إلى أن يصل إلى التفعيل التسويقي، ويتجاوز نمطية التواجد المحدود، فنحتاج إلى براءات اختراع نشطة تصل وتتربع في منصات الاستهلاك المحلي والعالمي، فلا بد من دعم إستراتيجيات رعاية الابتكار بأهداف وبرامج عميقة لتطويرها ومن ثم ّتمويل الأفكار الذكية من خلال مؤسسات البحث والجامعات والمختبرات الحكومية والخاصة وبسقف آمن منتج ودود مع القطاع الخاص وأن تتبنى الجهات المختصة نماذج نشاطات صناعية لإنتاج تلك الابتكارات وتسويقها.
ومن هذا المنبر أقتحم مغامرة جاذبة في موضوع محفزات المبتكرين, وهي شديدة الصلة بالإنسان؛ لأن فضاءات الإبداع والابتكار مفتوحة، وتنطلق منها مهرجانات فاقعة الألوان، قد يُفلح المكان والبيئة في اختلاس بعض أضوائها، وكم يحتاج المبتكرون إلى قراءة ذلك الإبداع وإدراكه! ولذلك فإن غياب المحفزات المباشرة تفضي إلى نقص الرغبة في الإنجاز, وتقاصر القدرة على الإبداع، فيواجه المبتكرون صعوبة في رسم حدودهم عندما تهطل عليهم طاقات الفكر، فالمبتكرون في بيئاتهم الصغيرة لابد أن يقفوا في موقف حقيقي من المصطلح، ولا يكونون في هامشه ليستهلكوا الفُتات، وأن تقام لهم مواقع الإنتاج لتوليد ما يختزنون من طاقات,والاستفادة من الإضافات النوعية لديهم حيث يصنعون المعرفة المنتجة، ويفجرونها في القنوات، ويحولونها إلى طاقات محتملة فالإبداع المسكون بالابتكار والدهشة هو ما يمنح الموقف الإنساني مباهج لا تُحصى.
وإذا ما أيقنا بأن الابتكار حركة واعية مفعمة؛ تهتك النمط المألوف, وتعيد صياغة السائد, واستنبات توجهات المبتكرين وما يحملونه من إضاءات تزخر بالدهشة التي تخطف المشهد في المعرفة بكافة أشكالها وصنوفها، وأن ما يملكونه مناخات مخضلّة, وأنها ليست محض مصادفة, أو فكرة قفزت ثم تنأى وتموت، فإننا نكون قد وسعنا وبشكل لافت الانعتاق من سلطة الحواس, ونجحنا أن نطلق الابتكار من إسار طقوسه المألوفة؛ ليزهر بنبتة تمتزج فيها هالة من اللحظات المجتمعية التنويرية.
وفي تلك اللحظات تبرز ملامحنا المتماسكة الناضجة، ونبدأ في إيقاظ مشاريع المبتكرين النائمة أو المؤجلة في قائمة أحلامهم, ونوقد لهم الضوء ليصعدوا فوق الأيام، ويستمتعوا بعقولهم التي تشرق آناء الليل وأطراف النهار ونصطف مع المبتكرين في مضمارهم، ونفسح الطريق لجيل قادم لينحت اسمه عند نقطة الانطلاق، ويمهرها بخاتمه حين يكتمل السباق, ويحصد الوطن تجليات نادرة صَنع لها أوعية من الوضوح والجلاء لتكمل تفاصيل مستقبل عظيم ينتظرهم عندما يبارون أهدافاً, ويحققون صنائع, ويصفون دروب إبداعهم ويغلبون باحتراف وحذق في مسابقات الاقتراب من النهايات المبهرة.