د. محمد بن عبد الله ال زلفة
بمناسبة اليوم الوطني الماضي أقام مركز آل زلفة الثقافي والحضاري معرضاً تاريخياً يحكي قصة تاريخ المملكة وقيامها في طورها الحديث بقيادة المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- افتتح هذا المعرض سمو أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد وسمو نائبه المرحوم الأمير منصور بن مقرن وزار المعرض المئات من أبناء منطقة عسير وغيرهم من جميع أنحاء المملكة.
لماذا هذا المعرض؟
منذ أن بدأ اهتمامي بدراسة تاريخ المملكة وأنا أفكر في أولئك الأبطال الذين قاموا وضحوا بكل شيء من أجل توحيد المملكة ليكوّنوا أكبر وحدة وطنية عربية في التاريخ الحديث ومتى كان ذلك في الفترة الحرجة من تاريخ هذه الأمة العربية التي بدأت الأطماع الغربية في الانقضاض على عالمنا العربي عشية غياب شمس الإمبراطورية العثمانية- والعمل على احتلال كل البلاد العربية وتقسيمها كغنيمة للمنتصرين في الحرب ضد الدولة العثمانية وذلك فيما عُرف باتفاقيات سايكس بيكو.
إبان هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا العربية وما نجم من تفكيك للجسد العربي؛ كان يحدث هنا في الجزيرة العربية تطور من نوع آخر ذلك هو البدء في مشروع صناعة وحدتها الكبيرة بقيادة موحدها العظيم الملك عبدالعزيز وبسواعد أبناء هذا الوطن الذين عقدوا العزم على تحقيق وحدة وطنهم رغم كل صعوبة الظروف وضخامة التحديات ولأن هذه الجهود لأولئك المؤسسين لم تسجل ولم تدون بالشكل الذي يحتم علينا الواجب أن نقوم به ومن أجل هذا ظلت فكرة تدوين بطولاتهم في سجل يحفظ لما توفر لدينا بعد جهود مضنية ولمدة سنوات طويلة من البحث عن كل مصدر يسعفنا بمعرفة أسمائهم والمعارك التي شاركوا فيها منذ يوم فتح الرياض العظيم 1919هـ - 1901م إلى حين اكتمال الوحدة وذلك بإعلان مسمى المملكة الجديد الذي يحمل معنى اكتمال الوحدة وهو المملكة العربية السعودية عام 1351هـ 22 سبتمبر 1932م وهي مدة طويلة زادت عن 32 سنة من حروب كان للجيوش السعودية فيها النصر.
وحينما اكتملت الوحدة بإعلان مسمى المملكة الجديد تعرضت لأشرس حرب شُنت عليها من جارتها اليمن مدعومة بقوى ما كانت منذ البداية راضية عن توحيد المملكة.
هذه الحرب مع اليمن فُرضت على المملكة التي حاولت أن تتجنب حدوثها بكل الوسائل ولكن ذهبت جهودها سدى ولم يكن أمامها إلا المواجهة فتحقق لها النصر وذلك في مطلع عام 1353هـ/1933م. بإذعان اليمن لطلب الصلح والقبول بتحديد لحدود ثابتة ودائمة بينها وبين المملكة، وهو المطلب الذي كانت تطالب به المملكة -ما كنت كمؤرخ أفنيت أكثر من نصف عمري في كتابة تاريخ هذا الوطن والبحث عن مصادره في كل مكان شددت إليه الرحال داخل المملكة وخارجها- أرضى أن لا يدون تاريخ هؤلاء الرجال الذين ضحوا بكل ما يملكون وأغلى ما يملكون وهي أرواحهم حيث ارتوت كل ذرة من تراب هذا الوطن بدمائهم الزكية.
ومن خلال دراساتي في العديد من البلدان الأمريكية والأوروبية وزياراتي للعديد من مدن العالم لم أرَ مدينة أو بلدًا إلا وبها متحف عسكري وسجلات مكتوبة ولوحات نقشت عليها أسماء جنودهم الذين ضحوا من أجل بلدانهم وكنت في كل مرة أتساءل لماذا لا يكون لدينا متاحف عسكرية وقاعات تحمل على جدرانها أسماء من ضحوا بحياتهم من أجل وطنهم؟ لماذا لا يوجد لدينا أرشيف عسكري منظم يضم معلومات كاملة وموثقة عن كل شخص ساهم في توحيد هذا الوطن ولماذا الاكتفاء فقط بأسماء أولئك الأبطال الذين ساهموا مع المؤسس في فتح الرياض وحتى هؤلاء اُختلف في عددهم هل هم ستون أم أقل من ذلك أو أكثر.
والأغرب من ذلك بأن ليس لدينا كتاب يؤرخ للجيش العربي السعودي منذ أن كان يتكون في بدايته من المحاربين التقليديين من أبناء القبائل وأبناء الحضر الذين بتضحياتهم البطولية أقاموا وحدة هذا الوطن.
ومحاولات تطوير تلك القوى المحاربة من شكلها البدائي أو التقليدي إلى شكل آخر وهو ما سمي بالهجانة وذلك في السنة التي انضمت الحجاز إلى الوحدة الوطنية عام 1343هـ حيث أصبح لهؤلاء الهجانة مقار دائمة يرابطون فيها وهم في معظمهم في الأصل من المحاربين التقليدين الذين كان يطلق عليهم الإخوان. وهم في مجملهم من أبناء القبائل البدوية الذين بدأ الملك عبدالعزيز بتوطينهم في أماكن محددة سميت بالهجر ولكل قبيلة أكثر من هجرة جمعت بينهم عقيدة واحدة هي عقيدة التوحيد وحلت محل التعصب القبلي وأصبح لهم هدف واحد رسمه لهم قائدهم العظيم الملك عبدالعزيز وهو توحيد بلاد لم تعرف الوحدة من قبل وكانت قبل ذلك، كل قبيلة تشكل قوة بذاتها وظيفتها محاربة القبيلة الأخرى فوحدت ووظفت تلك القوى ووجهت تلك الطاقات العظيمة نحو هدف سامٍ وهو توحيد وطن هو هذا الوطن الذي ننعم جميعاً بكل خيراته.
ثم انتقلت القوى المحاربة من طور الهجانة إلى بداية تشكيل الجيش العربي السعودي الحديث، لم يكن تطويع هذه القوة لحالات التطوير في البدايات بالأمر الهين حيث كان منهم من كانت له اعتراضات كثيرة من ضمنها بل ربما من أقلها رفض أبناء القبائل لبس البنطلون والبرية وتدخل المتشددين من بعض العلماء بإصدار فتاوى في هذا الخصوص لدرجة رفض دفن موتى الجيش النظامي إلا في مقابر محددة في مدينة الرياض خاصة بالجند.
متى بدأت فكرة إقامة
هذا المعرض؟
- بدأت منذ أن توفر لدي نتيجة بحث مضنٍ ووثائق وسجلات وقوائم تحمل أسماء من شارك في معظم معارك التوحيد وكان اكتشاف هذه المصادر المهمة يعد نقيضاً للاعتقاد السائد بأن لا سجلات ولا وثائق تدون تفاصيل أحداث مسيرة توحيد المملكة بل كان الاعتقاد بأن الأحداث لا تسجل وثائقياً وإنما سجل ما كُتب عن تلك الأحداث اعتماداً على الروايات الشفوية بل ذهب البعض إلى الاعتقاد بأن ما كان يصدره الملك عبدالعزيز من أوامر أنها كانت في جلها أوامر شفوية والحقيقة تثبت عكس ذلك بأن الملك عبدالعزيز يصدر معظم أوامره إن لم تكن جميعها مكتوبة وكان لديه العديد من الكتاب ومما ذكر لي بعض أبنائه الكبار والملازمين له بأنه كان يملي على عدد من كتابه وأحياناً قد يزيد عدد كتابه عن ثلاثة في آن واحد وفي مواضيع مختلفة وكان إذا فرغ من الإملاء وختم الرسالة وتذكر قضية ذات أهمية استدرك على كتبته بإضافة ما يريد إضافته في تلك الرسائل بقوله «ملحوق خير وعافيه» أو «ملحوق خير» أو يكتفي بكلمة «ملحوق».
أما ما ندين له بالفضل نحن المؤرخون فإنما يكون للرجال المسؤولين عن المالية حيث إن هؤلاء الرجال يحرصون على تسجيل كل ما يصدر إليهم من أوامر تخص الإنفاق على الجند مثل رواتبهم أو أعطياتهم أو شرهاتهم فتأتي أعمالهم موثقة بأسماء كل من ينفق عليه وأسماء عوائلهم وأسماء قبائلهم وما تصدر الأوامر بمنحهم من سلاح أو أرزاق أو ذخيرة أو شراء ما يحتاجه الجند. محددين مقادير تلك المبالغ إن كانت نقدية أو نوعية ممثلة في مواد تموينية مثل ما يصرف لهم من طعام من رز أو حب أو قهوة أو هيل أو شاهي أو كسوة أو غير ذلك.
وكان أول عمل وثائقي قمت بنشره ذلك الكتاب المتعلق بحرب ضم القصيم 1321، 1322هـ الذي نشرته تحت عنوان التجهيزات العسكرية والمالية أثناء ضم القصيم تضمن أسماء كل المحاربين من الحاضرة والبادية المشاركة في تلك الحرب كما تضمن تفاصيل الإنفاق على تلك الأعداد الكبيرة من المحاربين من طعام ممثلاً في مختلف أنواع الحبوب التي كانت تزرع في منطقة القصيم وأسماء المزارعين الذين قاموا بتموين المحاربين وأسماء بلداتهم وأسماء أنواع الحبوب ما كان يمكن لنا أن نعرف هذه التفاصيل لو لم يقم رجال المالية المعنيين بتوثيق كل هذه التفاصيل.
لم يكن من قام بالإسهام بكتابة تاريخ المملكة من السعوديين ومن غيرهم يولون اهتماماً بمثل هذه التفاصيل بل كان اهتمامهم منصب على ذكر سير المعارك كيف بدأت وكيف انتهت حتى التاريخ لمثل هذه الأحداث كان ينقصها الكثير من الدقة حيث نادراً ما كانت مدعمة بالوثائق حيث لم يكن بعض المؤرخين يأبهون بها وظل ما كُتب عن تاريخنا يحمل الطابع التقليدي النمطي وظل مفتقراً إلى دقة المعلومة وتكراراً لما ينقله المتأخر عن المتقدم حتى وإن كان مغلوطاً وأصبح تكرار المغلوط مع مرور الزمن هو الثابت وما يستجد من معلومات دقيقة مستمدة من الوثائق والسجلات الرسمية المعتمدة هو ما يدور حوله الشك لأن المتقدم المعتمد على الرواية الشفوية أو من بنى معلومته على معلومة خاطئة يظل هو الصح أو المرجع ليس لشيء إلا أنه المتقدم.
كيف أهملنا مصادرنا المكتوبة؟
لم نكن نفتقد إلى المصادر الوثائقية وإنما المشكلة أننا أهملناها وظلت سنوات في غرف وأقبية أصبحت مع مرور الزمن مهجورة فتعرض موروثنا الوثائقي نتيجة الإهمال إلى الضياع والتلف ولم يكن لدينا حساً حضارياً في إيجاد دور محفوظات أو أرشيف وطني أو «أرشيفات» إقليمية ولم يتولد هذا الإحساس إلا مؤخراً ومؤخراً جداً ولكن بعد أن فقدنا الكثير والكثير من وثائقنا الوطنية وما تم العثور عليه أو إنقاذ ما تبقى منه لم يعط العناية اللائقة به ووضعه في أرشيف منظم يمكن الرجوع إليه في المستقبل على المدى البعيد ولأهداف، أحدها تسجيل عظمة هؤلاء الرجال وأدوارهم التاريخية في قيام وحدة وطنهم.
هذا الإصرار والإيمان قادني إلى مواصلة البحث عن بعض الشخصيات التي كان لهم ارتباط وظيفي في التعامل مع قضايا تتعلق بالأمور المالية أو العمل عن قرب مع أحداث مراحل مختلفة مرت بها بلادنا، ولم يخب الظن والاعتقاد، حينما باشرت العمل في التواصل مع أبناء وأحفاد من كان لهم علاقة بإدارة أحوال البلاد والعباد وخاصة أثناء الأزمات والحروب وحشد الجيوش التي كانت تتحرك ما بين وقت وآخر من مكان إلى مكان حسبما كانت تقتضيه ظروف مرحلة التوحيد.
والتوفيق مرهون بحسن النية ونبل الهدف فلم يبخل عليّ بعض من كان لديه علم بأوراق ووثائق حدثهم عنها آباءهم وأجدادهم بحكم وظائفهم ولكن في البداية كان البعض منهم لا يعرفون أين توجد تلك الأوراق وبدأوا في مساعدتي في البحث عنها فوجدنا بعضها في بيوتهم القديمة في أوضاع شبه مهملة وبذلنا جميعاً جهداً في إخراجها والاطلاع عليها احتفظت تلك الأسر بأصول تلك الوثائق وزودوني بصور منها بعد اطلاعي على كامل الأصول وكثيراً من هذه الوثائق يشكل المصدر الرئيسي لإقامة هذا المعرض وخاصة تلك المتعلقة بالعديد من حروب التوحيد وخاصة تلك التي حدثت في الجزء الجنوبي من المملكة حيث شهد هذا الجزء من المملكة حروباً متتالية وجدت المملكة نفسها مضطرة على دخولها مع جارتها اليمن التي لم تكن نواياها حسنة وخالصة لمنع وقوع تلك الحروب والوصول إلى حلول سلمية لحل الخلافات.
ولكون المنطقة الجنوبية مسرحاً لمعظم الأحداث فإن فكرة إقامة هذا المعرض يجسد ضخامة تلك الأحداث وضخامة التضحيات التي نجمت عنها فمنذ البدايات الأولى أو الخطوات الأولى لتوحيد المملكة وأعداء الوحدة الوطنية قلقون مرتبكون منذ أن قام الملك عبدالعزيز بأولى اتصالاته بزعماء المنطقة الجنوبية في منطقة عسير وأدركوا خطورة ما يترتب عليه هذا التواصل بين نجد وعسير.
فالحجاز وبه الكيان الهاشمي أصبح بقاء وجوده في مهب الريح بعد أن أصبح محاطاً من جهاته الجنوبية بعسير التي أصبحت إحدى أهم ركائز الوحدة الوطنية وإمام اليمن ارتعدت فرائصه للسبب ذاته وكيان السيد الإدريسي وهو أشبه ما يكون بكيان مصطنع في منطقة جازان أصبح يدرك أن لا أمل في بقائه إلا بالدخول تحت الحماية السعودية حيث كان كل من إمام اليمن وشريف مكة كل منهما يطمع في مد نفوذه على حساب النفوذ الإدريسي القائم على جزء من الأراضي العسيرية والملك عبدالعزيز كان يريد للإدريسي أن يبقى كمنطقة عزل بين أي تقارب هاشمي في الحجاز وزيدي في الجنوب إلى أن تأتي الفرصة الحاسمة لإدخال منطقة نفوذ الإدريسي في نطاق الوحدة الوطنية وهذا ما تم في عام 1351هـ وهذا ما سيوضحه فصلٌ أو جزءٌ كاملٌ في هذا المعرض تحت عنوان: ضم منطقة جازان بقيادة الأمير عبدالعزيز بن مساعد.
وبما أن الأحداث وكما ذكرت في أكثر من موقع التي يؤرخ ويوثق لها هذا المعرض تركز بشكل واضح على ما شهدته المنطقة الجنوبية من أحداث منذ الوهلة الأولى لضم عسير لهذه الوحدة العظيمة وذلك في عام 1338هـ (أي العام الماضي) وهو الحدث الأبرز الذي يمر عليه في هذ العام 1438هـ مائة سنة جدير بهذا الحدث أن يبرز ويحتفل بعيده الذهبي لأنه يشكل نقلة نوعية في تاريخ منطقة عسير وتاريخ المملكة بشكل عام ومن حق أبناء منطقة عسير وأبناء المملكة عامة أن يتذكروا هذا العام من خلال ما نقوم بعرضه من وثائق وصور ورسائل توضيحية مختلفة من منطلق أن الأمم لا ترتقي ولا يرتفع لديها الحس الوطني إلا من خلال الاعتزاز بمعرفة تاريخها.
وبما أن مسيرة توحيد المملكة حلقات متصلة كل حلقة أوصلت إلى الحلقة التي تليها فإن للوحدة بداية وكانت البداية فتح الرياض 1919هـ - 1901 وهو ما أفردنا له في المعرض الحيز الأول يتضمن أسماء الفاتحين وقادة الفتح بقيادة الموحد والمؤسس الملك عبدالعزيز.
تحت مسمى فتح الرياض
الصفحة الثانية أو الفصل الثاني في المعرض وحسب التسلسل الزمني فصلاً مطولاً عن حرب ضم القصيم عام 1321، 1322هـ يشتمل هذا الحيز من المعرض على أسماء كل المشاركين من الحاضرة ومن البادية وبشكل موثق ولأول مرة في التاريخ الحربي للمملكة وبحسب ما مدتنا به وثائقنا الوطنية التي تم العثور عليها لأول مرة وهذا الفصل تحت مسمى حرب ضم القصيم.
الصفحة الثالثة أو الفصل الثالث من المعرض يأتي ضم منطقة عسير عام 1338هـ / 1919م وهي أول منطقة خارج منطقة نجد وعمقها الإستراتيجي والاقتصادي منطقة الأحساء التي ضمت في عام 1913م إلى الوحدة الوطنية.
وكان ضم عسير بقيادة الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي وقد ضمنا هذا الفصل أو الصفحة من المعرض المراسلات والوثائق التاريخية التي سبقت انضمام عسير للوحدة الوطنية والتي مهدت للوحدة.