يوسف المحيميد
لقد تغيرنا كثيرًا، لم يعد الناس يعيشون خلف أسوار بيوتهم العالية، بل هدموا الأسوار تماما وخرجوا إلى الشوارع، يعيشون بشكل طبيعي، يمشون ويضحكون ويأكلون ويسخرون ويرقصون، لكنهم يفعلون ذلك مصحوبين بالكاميرات التي توثق كل شيء، ومن ثم يبثون هذه اللقطات ومقاطع الفيديو في مواقع التواصل الاجتماعي، ليخرج من يطالب بمحاكمتهم، سواء ممن ظهر في المقطع، أو من التقط الصور وبثها أمام الملأ، ويزداد البكَّاؤون والندابات في تويتر وغيره، كما لو كان المجتمع بأكمله سقط في وحل الرذيلة وفساد الأخلاق وسوء المنقلب!
علينا أن ندرك أن الزمن تغير، ونحن نعيش مرحلة جديدة، مرحلة طبيعية كما يعيش خلق الله على هذه الأرض، لم يعد المرء كما كان سابقًا، لم تعد الدولة تصادر جوال أبو كاميرا، أو جوال الباندا، فقد أصبح المجتمع بأكمله يحمل كاميرات فوتوغراف وفيديو متطورة، ولم تعد كاميرات المراقبة عشر أو عشرين كاميرا أمام المحال والبنوك، بل هناك أكثر من عشرين مليون كاميرا يحملها المواطنون، وملايين الحسابات الاجتماعية التي تمثل صحفًا رقمية وقنوات فضائية يمكن أن تنشر وتبث العديد من المقاطع، التي لن تقدم ولا تؤخر في حالنا، أو مستقبلنا، خاصة الطبيعية منها، على عكس المقاطع التي قد تفيد بمعاقبة من يتسبب بإيذاء طفل، أو قاصر، كوسيلة إثبات على موقف أو حدث فيه تطاول على حقوق إنسان.
ماذا علينا في هذه المرحلة، أعتقد أنه علينا أن نتمرَّن ونتعلم على ترك الخلق وملاحقة تصرفاتهم الطبيعية، التي لا تضر أحدًا، ولا تخدش الذوق العام، وألا نشغل السلطات الرسمية بما هو أقل أهمية، ولا يحمل خطرًا، ولا سوءًا في الخدمات الحكومية، أو المس بالمال العام، لأن هناك ما هو أهم، خاصة ونحن نتطور بشكل سريع باتجاه تطوير الخدمات ومراقبة الأداء الحكومي، ونستفيد من المواطن في العمل الرقابي على ما يحدث من تجاوزات وفساد إداري ومالي.