د. حمزة السالم
التطرف ظاهرة إنسانية طبيعية لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات صغر المجتمع أو كبر. بل إن التطرف هو أحد أقسام التوزيع الطبيعي للفكر الاجتماعي normal distribution في كل شيء. وهو موجود في جميع الأديان والعرقيات والقوميات والثقافات والشعوب، كما هو موجود في جميع العلوم الإنسانية والطبيعية.
التطرف يحتاج إلى دعم اجتماعي ليكون له قوة على التأثير العام. وأخطر دعم للتطرف هو الدعم النفسي بالإعجاب. فهو يُعطي المتطرف رضا لذات الأنا لديه، فيتولد لديه شعور الكفاح والبطولة، لا شعور الحماقة والخيانة والتجني على قومه.
ولهذا فقد أدرك حكماء العالم خطورة كون البُنية الفكرية لمجتمع ما، بُنية مُساعدة ومُحفزة لظهور التطرف، كالمجتمع الألماني بالأمس وكالمجتمع الإسلامي اليوم. فبخلاف الهند واليابان والألمان وغيرهم من البلاد والأمم والثقافات ممن خضعوا للاحتلال الغربي أو الاستعمار وخرجوا منه ليتقدموا لا ليتأخروا، فإن المجتمع الإسلامي خرج من الاستعمار ليتأخر باجترار تاريخه المحرف بالمثالية، ويحبك الأساطير ويتخيل المؤامرات، وفي قرارة نفسه تضامن ديني وتراثي مع أفكار المتطرفين. والحكومات الإسلامية لم تُحسن التعامل مع هذه المشكلة. فهي إما تبنتها لأغراض سياسية أو أهملتها أو قمعت ظاهرها بأساليب وحشية بدائية، فولدت أفكارًا أشد تطرفا وأوسع انتشارًا.
الخوف من المسلمين وعليهم هو الشاغل الأول لقادة وحكماء العالم اليوم بسبب أن بُنية فكر المجتمع الإسلامي اليوم تحمل خطرين وليس خطراً واحداً. فإضافة إلى خطر استعداد بنية فكر المجتمع الإسلامي لظهور التطرف، فهناك خطر رد الفعل المماثل والمُعاكس لظهور التطرف الديني والعرقي الموجود في الشعوب الغربية كرد تطرفي ستتقبله المجتمعات الغربية لا محالة في مواجهة فطرية طبيعية للتطرف الإسلامي.
فالكراهية الظالمة أو الدموية تنبعث في الشعوب، عندما تُستخرج كردة فعل مضادة لكراهية دينية أو عرقية مقابلة. وهذا شواهده كثيرة اليوم في النزاعات العرقية التي تُلبس بلباس الدين في البلاد غير المتطورة. فمن أغراض استخدام الدين كمطية في الحروب الظالمة المريعة هو تغييب المنطق في العقل الإنساني، وتخدير ألم المشاعر الإنسانية الفطرية أمام المذابح والانتهاكات الإنسانية، كما حدث في بلاد البلقان، الذي استخرج فيه النصارى الثارات القديمة ليستحثوا قومهم على الفتك بالمسلمين. وقد كان النزاع نزاعًا عرقيًا لا دينيًا.
كذلك في بعض ردات الفعل في أمريكا وأوربا بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر. وهو الحادث الذي كاد أن يُحطم ما بناه الغرب في مجتمعاته في القرن الأخير من المثاليات الإنسانية، ويُشعل الخامد من العنصريات الدينية والقومية والمتطرفة عند متطرفي الغرب. فقد ظهرت فيه الدعوات -حتى من مستويات اجتماعية راقية- لإبادة المسلمين أو لعزلهم تماما في بلدانهم، لولا التدخل القوي للحكومات والمؤسسات الإنسانية الدينية والاجتماعية والتعليمية في إقناع الشعوب الغربية بفكرة عزل المسلمين عن حادث سبتمبر والقاعدة وفكرها -وهذا الإقناع مُلاحظ بشدة حتى في أفلام هوليود التي قامت بدور جيد مشكورة في بث فكرة عزل المسلمين عن القاعدة والإرهابيين وتبرئتهم منه-.
حكماء العالم يخافون من المسلمين أن يشعلوا التطرف في المجتمعات الأخرى، فتنهدم التجربة الوليدة للإنسانية الحديثة المتمثلة في المساواة والاحترام للأعراق والأديان. وسياسيّ العالم كذلك، يخشون أن يأتي بعض سفهاء المسلمين ومعتوهيهم بما يستلزم منهم بشبيه ما استلزم فعله في اليابان وألمانيا. فخوف العالم من المسلمين حقيقة حُرف فِهمُها كما حُرف كثير من تاريخنا وواقعنا وديننا. فالصحيح أن حكماء العالم يخافون على المسلمين من أنفسهم.