د. أحمد الفراج
في دافوس، أجرى الإعلامي الأمريكي، فريد زكريا، لقاء مع رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين ناتنياهو، وظهر زكريا خلال اللقاء، وهو الإعلامي البارع والمثقف الضليع، كمتدرب إعلامي وديع، ولم يجرؤ على طرح الأسئلة الصعبة، وهذا متوقع، عندما يقابل أي إعلامي غربي مسؤولا إسرائيليا، وزكريا يعلم أنه لو ضغط على نتنياهو، فقد تكون نتيجة ذلك عليه وخيمة، وقد يخسر برنامجه الذائع الصيت على قناة سي ان ان، ومقاله في الواشنطن بوست، ويخسر الملايين التي يجنيها كل عام، وسبب هذا الرعب من نتنياهو لا علاقة له بشخصيته، بل هي منظمة ايباك، التي ترفع أي سياسي أو إعلامي وتخفضه، عطفا على الموقف من إسرائيل، ومن المسلم به أن شراسة ايباك ترعب أي سياسي وإعلامي، مهما كان حجم شعبيته، وقد جرب بعض الساسة والإعلاميين اختبارها، فكانت نتائج ذلك عليهم وخيمة!.
قبل ذلك، قابل زكريا مسؤولين إيرانيين، وكان وديا معهم للغاية، إذ لم يتطرق لتوسع إيران، ولا لدكتاتورية حكام طهران، ولا للرافعات التي تشنق المعارضين بالجملة، وهذا أمر مستغرب من مثقف يساري، له موقف حاد من انتهاك الحريات وحقوق الإنسان، وهنا فتش عن اللوبي الإيراني في واشنطن، الذي تشكل قبل سنوات، وأصبح ناشطا في أوساط واشنطن، ونجح بشكل كبير، ويخيل لي أن لوبي إيران استنسخ خطوات ايباك، ويذكر بعض المعلقين أنه أصبح يحسب له ألف حساب، وزكريا ليس وحده، فالمتابع يلحظ الفارق الشاسع، بين تغطيات الإعلام الأمريكي لإيران فيما مضى، وتغطياته الآن، وكانت تغطية الثورة الإيرانية الأخيرة، التي لم تخمد بعد، مثالا على ذلك، فهي أقوى وأشرس من ثورة عام 2009، ولكن تغطية الإعلام الأمريكي لها كانت خجولة، مقارنة بتغطيات 2009، ما يعني نجاح لوبي ايران، خلال الثمانية أعوام الماضية.
يتفق المعلقون على أن لوبيات المصالح جزء من الحراك السياسي لأمريكا، وهي لوبيات تخدم الساسة الأمريكيين في الداخل، وتخدم دولا ومنظمات خارجها، ولا يمكن أن ينجح أي بلد في اختراق مصانع القرار، والتأثير عليها، إلا عن طريق الضغط، أو ما يسمى بـ»اللوبي»، وهذا مجال ليس يسيرا، اذ له اشتراطاته ومتطلباته، وله أصول وقواعد راسخة، ويتطلب كفاءة ومهنية لا يجيدها إلا المحترفين، ممن عركتهم ميادين السياسة والعمل الإعلامي المحترف، فهم الذين يعرفون دهاليز الساسة والسياسة، وآليات صنع القرار، ومواقع التأثير، وتوقيت التحركات، وتعتبر السرية، التي تشبه عمل المافيا، أحد أسرار نجاح عمل لوبيات المصالح، ومن أراد أن يعرف ملمح من عمل لوبيات المصالح الشرسة في واشنطن، فليشاهد حفل ايباك الأخير، الذي احتفت فيه بمندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، السياسية الصاعدة نيكي هيلي، ثم يتابع مسيرتها السياسية مستقبلا، فهذا كفيل بأن يعطي نبذة عن دهاليز واشنطن ولوبياتها وأسرارها الغامضة!.