فيصل أكرم
أثيرت مؤخراً، في الساحات المشاعة إلكترونياً لكل متطفل على الثقافة والأدب، زوبعة تستهدف الإساءة إلى الشاعر العربي القدير د. عبد العزيز المقالح بسبب (صورة) قد تكون مفبركة وقد تكون صحيحة – سيّان – فهي لا تعني أيّ شيء لمن يعرف قيمة كاتب كالمقالح أثرى الحياة الثقافية شعراً ونثراً منذ أكثر من نصف قرن.
ما الموقف (السياسيّ) الذي من الممكن أن تعلن عنه (صورة) يظهر فيها (كاتب)؟!
السؤال بحد ذاته مضحك ويستحق التعجّب قبل الاستفهام، فالكاتب يعلن عن مواقفه بكتابته لا بصورته، ومن يحسب أنه يصطاد كاتباً بصورة على غفلة منه ليدينه بها فهو كمن يأتي بعبوة من الملح الاصطناعيّ يرشها على نهر عذب صاف ليثبت أنه مالح!
الكاتب كائن فعّال في هذا الكون بكتابته، وحين يشيب شعر رأسه أو يصاب بزكام فيعطس أو تنزلق قدمه فيسقط وينجرح، كسائر الكائنات الحية على الأرض، فهذا لا علاقة له أبداً بمواقفه الفاعلة.. مواقفه الفاعلة في كتاباته (الموثقة له لا المنحولة عليه) حتى الكلمات التي تخرج من فمه قد لا تعبّر عنه تماماً كما الكتابة، فهو كاتبٌ وليس خطيباً.. وهنا أتحدث ليس عن المقالح فقط، بل عن نفسي أيضاً.. فكم من المرّات أقع في شباك الحوارات الإذاعية أو التلفزيونية فأقول كلاماً متسرّعاً يستحيل أن يصدر مني كتابة، لأنني حين أكتب (فقط) أكون بكامل مسؤوليتي تجاه كل شيء، ذلك لأن الكتابة بالنسبة لي هي كلّ شيء.
ومن المواقف المزعجة التي تعرّضت لي (تعمّداً من ماكرين أو عفوية من أبرياء – سيّان) أن يطلبني صديقٌ لمقابلة في برنامج إعلاميّ من إعداده، ولأنه صديق عزيز وأعرف أنه غير منتم لأي من الأحزاب السياسية (المجرمة) أوافق بكل أريحية، ثم أفاجأ بعد انتهاء تصوير وبث المقابلة أن القناة كلها تابعة لأكثر الأحزاب السياسية إجراماً.. فهل أنا مدان؟ أقول: نعم، مدان بالغفلة فقط، فلقد كتبتُ سابقاً عن ضرورة انتباه الكاتب لماهية دور النشر التي تنشر كتبه، وضربتُ أمثلة كثيرة في مقالات متعددة حول تلك الشباك التي تنصب للمبدعين الأحرار لتسرق أسماءهم بكل ما تحمله من تاريخ عامر بالمنجزات الأدبية الإنسانية لتضيفها بغير وجه حقّ إلى قائمة المنتمين إلى تلك الأحزاب الدموية المفسدة في الأرض بحجّة (المقاومة) وغيرها من المصطلحات المخادعة التي تخدمهم كتجار حروب وأسلحة وزعامات؛ ولكن.. المتابع الفطن قد يتفهّم حين يتمعّن في المنجز الكتابيّ، أو ينصت إلى الكلام الشفهي، أمّا الصورة.. فوالله كم مرة فاجأني مثل أولئك بالتقاط صور تجمعني بهم من دون حتى أن أعرف هويّاتهم وانتماءاتهم أحياناً.. هذا عن نفسي أنا الآتي إلى الكتابة الأدبية في الزمن الذي تلفظ فيه أنفاسها الأخيرة، فما الحال مع رمز من رموز عصرها الحديث في زمن تجلياته كالمقالح؟
خلاصة قولي هنا: الشاعر الأديب الكاتب بشعره وبأدبه وبكتابته لا بصورته؛ وأتذكّر مطلع قصيدة كتبتها قبل أكثر من خمسة عشر عاماً بعنوان (مرايا.. فقط) وأهديتها للشاعر القدير عبد العزيز المقالح بعد مطالعتي لمقالة تناول فيها أحد دواويني برؤية تأمّلية غاية في التميّز الأدبيّ والإنسانية المسؤولة.. وكانت القصيدة تتماهى مع قصيدة له عنوانها (أسئلة المرايا) مطلعها: (هل أخطأتُ طريقي)؟
فأجبته:
(مثلكَ أخطأتُ طريقي
وتبعتُ النجمةَ تحتَ الشمسِ
ركبتُ الموجةَ بعدَ الموجِ
تعبتُ قُبيلَ وقوفِ العمرْ
فخسرتُ عدوّي وصديقي)!
وأختم بالقطع: لا؛ لم نخطئ في طرقات مواقفنا التي كتبناها وسنظل نكتبها ما حيينا بأرواحنا، ولكنّ صور أجسادنا قد تخطئ الكاميراتُ في التقاطها كما يجب!