عبد الفتاح ابومدين
في البدء اعتذر لأخي الأعز عبده الأسمري عن تأخير رد التحية لا أقول بأحسن منها ولا حتى بمثلها، ذلك أن الطموح وحده لا يكفي، ولعلي أقولها في غير كبرياء فإن الطموح وحده لا يكفي! ولن أذهب بعيداً إذا تحثدت عن مجهودي الطويل الذي بلغ «ربع قرن» في إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة!.
وأؤكد أنني في هذا الزمن الطويل الذي يشمل نهاره وليله بلغ «ربع قرن»، أي زمناً متواصلاً لم يتح لي أن أقرأ كتاباً من مؤلفات لكاتب، وكما أردد هو أن الثقافة مغرم، وأن فيها الجاد يعتصر من يتناوله بتواصل لا يعرف الدعة ولا التوقف ولا اختطاف شيءٍ من الزمن ولا حتى ما يسمى الإجازات ذلك أن الإنسان لا يملك الزمن والمعرفة وقود متواصل لتكون النتائج ناجحة وبارزة ليبني في الوطن وحده وإنما المراكز المعرفية في الوطن العربي وغير العربي إذا كان ثمة عاملون جادون! وفي بلادنا وغيرها كان الذين يشغلون مسؤولية المعرفة لا يليهم عوامل أخر كالوظائف مردودها مرتبات الأعمال الوظيفية!.. والوظيفية تشغل عن سواها، ويبقى رئيس النادي يتحمل كل الأعمال، وأشهد أنه كان بعض الرفاق الذين يعينون وينصحون بحق ملء السمع والبصر، وفي مقدمتهم أخي الدكتور عبدالله الغذامي الذي كان في مقدمة الجادين الطامحين الذي طالما قال: لولا عبدالفتاح لا أبقَ عشرة أعوام في نادي جدة، وكذلك أخي الدكتور عبدالعزيز السبيل والدكتور سعيد السريحي، والدكتور حسن النعمي، ولا أذهب بعيداً إذا قلت إن الطموح يدفع إلى ما هو أكبر من الجهد، أما دخل الأندية الثقافية والأدبية فيها يساوي مصاريف لا عبي الكرة وإغراءات مادية لا نصيب للأدب والثقافة منها في شيء يستحق الذكر.
إن «أبا يزن» كتب مرة في صحيفة «الجزيرة» يتحدث عن دراستي الابتدائية في مدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة لمدة عشرة أشهر بين مرحلتي الرابعة والسادسة ابتدائية، أما المرحلة الخامسة ابتدائية فكنت أقرأ تلك الخامسة مع الأخ العزيز عبدالوهاب بخاري في الحرم في المدينة المنورة بعد عصر كل يوم ما عدا يوم أو أيام الجمع!.. ومع بدء العام الدراسي الجديد دفع بي أستاذي الجليل محمد الحافظ بن موسى إلى العام الدراسي ذي الشهادة -رطب الله ثراه- إلى السنة السادسة الابتدائية، وبما أن مدرسة العلوم التي التحقت بها مدرسة غير حكومية فإن امتحان آخر العام الدراسي يقام في مدرسة حكومية، فشاركت في هذا الامتحان السنوي فكانت النتيجة إخفاقي في درس التعبير ونجح رفاقي وأخفق عبدالفتاح أبو مدين!.. وفي الدور الإكمالي عبرت الإخفاق لكني مازلت محتاجاً إلى المزيد من الدرس.
لكن كما يقال: اليد قصيرة والرغبة مديدة، فكان الاتجاه إلى المراحل الدونية، لكن العقبة «الجنسية» السعودية التي لا أملكها، لكن بفضل الله ثم بفضل صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز آل سعود وخالي مصطفى بدرالدين «ناظر عموم الجمارك» وصقر الجزيرة يعرف رجالاته ويقدرهم فأعطيت الجنسية خلال شهر ونصف، فعينت» مقيد «أوراق واردة في إدارة الجمارك التي كان يشغلها خالي رحمه الله ثم تقاعد!.
وهكذا أخذت السفينة مسارها ولولا عجلة تلك الفتاة التي اختارني شيخي الجليل لكتبت الكثير عن مسار حياتي المتواضعة، غير أن الحياة مساراتها في بعض الأحيان قصار وطوال حسب الظروف!.
في حديث أخي عبده الأسمري قال: ولد أبو مدين في طرابلس الغرب؛ وأقول إنني ولدت في مدينة بنغازي شرق طرابلس والمدينتان تبعدان عن بعضهما ألف كيلومتر، فطرابلس لصيقة لتونس.. أما بنغازي فهي السبيل القريب إلى الأراضي المصرية في الشرق، والسبيل بينهما برى رغم أن البحر الأبيض يجمع من الإسكندرية ومن جهة الغرب الحدود مع ليبيا! وهذه المناطق من الحدود المصرية إلى تونس شهدت الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا وإيطاليا وألمانيا بدءًا من عام 1939 وانتهت في عام 1943 عندما تدخلت أمريكا مع بريطانيا، فانهزمت إيطاليا والألمان!.. ولو أن المجال يتيح للقارئ وربما أخي.. عبده الأسمري لامتد الحديث عن إيطاليا واحتلالها لـ»ليبيا» و»الحبشة « وتجنيد الإيطاليين للشباب الليبي ليقاتل الجيوش ويموتوا؛ أي أبناء ليبيا، وما لاقاه الشعب الليبي من البؤس منذ حل الإيطاليون في ليبيا وقتال أبطال ليبيا في مقدمتهم الشهيد عمر المختار -رحمه الله- الذي قاتل الإيطاليين عشرين سنة في برقة، أي في الجبل الأخضر، وقد شنق في «سلوق» شرق بنغازي.. وقد خيّره الإيطاليون أن يسالم إيطالية وتعتقه من الشنق فرد الشهيد : لو تركتموني الآن لشرعت في قتالكم لأنكم احتللتم بلادي فشنقوه.
ومثله مجاهد في «طرابلس الغرب»، وظل الشعب الليبي مشرداً في صحراء بلادهم. وفي الحرب العالمية الثانية قضي على الإيطاليين. والحديث طويل فمعذرة في سوق حديث مسجل فمعذرة لأخي عبده الأسمري والقارئ، ذلك أن الحديث ذو شجون!.
اعتذر لأخي الكريم والكاتب المجيد الأستاذ عبده الأسمري في الرد على رسالته الجميلة الماتعة وقد تأخرت في رد التحية بأقل منها ذلك أن روح الشباب ومتعتها ووقتها ليست في مستوى شيخ مثلي، فللعزيز تحية أقل ما في هذه السطور والكلمات إنه فضل منه واعتراف بالجميل، والقائل المجيد: إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها. واعترف أنني في المحطة المتراجعة إن صح هذا التعبير، مع خالص تقديري وودي.