د. عبد الرحمن الشبيلي
(1)
كان الأمثل، أن يبدأ الحديث بالتشاور معكم لاختيار موضوعه، بين تجربة الدراسة أو الإعلام أو التعليم العالي أو الشورى، أو مع البحث والتأليف والتوثيق، وهي خمس مراحل استغرقت كل واحدة منها فترة زمنيّة معتبرة من العمر.
(2)
لكن محدّثكم خشي من تفتيت الوقت في الإجراء، فآثر أن يقسم اللقاء بين نصف يتحدث فيه، ونصف فيه تسألون،
أما في السياسة فهو لا يجيد حواراتها ولا يحبّذ إضاعة الوقت فيها، ولا يفهم دهاليزها وخباياها، وصار له معها صدود يتجدّد، فلقد تكشّفت أوجاعها النفسيّة والاجتماعيّة ولم تتغيّر تصاريفها الإعلاميّة، على مدى خمسين عاماً، بل صارت تزداد سوءاً.
(3)
ولا بدّ من التأكيد في البداية، على أن هذه الندوة عند محدّثكم تزن عشرات، لأنها تخاطب من القلب للقلب حضوراً من ذوي التجارب الثريّة من جيلي، وحضوراً من شباب مستقبليّ صاعد، قدرهم أنهم أتوا في زمن مليء بالتحوّلات الفكريّة والاجتماعيّة والعلميّة، في حين جاء جيلي في عصر الخضرمة، أدرك فيه العدم والفاقة، وتحدّيات التنمية وبدايات التطوّر وانتشار التعليم.
(4)
أستأذنكم في أن يكون الحديث عفويّاً عن بضع مصادفات في العُمر، قادت إليها الأقدار وغيّرت مجرى الحياة، دون أن يسعى إليها صاحبها بأي جهد أو تخطيط.
(5)
كانت صدفاً صغيرة، قد يكون أحدكم سمع بعضها من قبل، ضمّت تحوّلات صنعتها الإرادة الإلهية، صدق فيها قول الحق سبحانه «وما تشاؤون إلا أن يشاء الله» لعل مفرداتها وفقرات غيرها تكوّن موضوع رواية مستقلّة لسيرة ذاتيّة موجزة، تصدر عمّا قريب بإذن الله.
(6)
فمحدثكم كانت له صدف في دراسته، ومثلها في اختيار التخصص، وفي تنقّلاته الوظيفيّة، وعندما تستعاد اليوم تلك المصادفات، يستحضر معها الإنسان القوّة الخفيّة التي تسيّره.
وكانت له في صحّته وفي أسرته مصادفات أخرى، لكن المقام لا يتّسع للخوض فيها.
(7)
وقع الاختيار على موضوعها هنا، لما فيه من البساطة، ولأنه يدعو للتأمّل في تدبير الله في مسيرة الإنسان واختيار دربه، فما يختاره الله له، سواءً أكان في ظاهره لمصلحته أم العكس، ومهما حاول المرء أن يتجه إلى اتّجاه آخر، أو كان يسير في درب مغاير من دروب الحياة. يكون بالتالي ما أراده الله هو الخير بإذنه تعالى.
(8)
ولد محدّثكم في مدينة عنيزة بالقصيم، أواخر عامي 1363هـ 1944م، في أسرة مستورة الحال، شقيقاً لثلاثة إخوة وأربع أخوات، كان والدهم طالب علم وشاعراً، ارتبط كثيراً بشيخ المدينة ذائع الصيت عبدالرحمن السعدي وأقرانه في حينه، له محل بسيط لبيع الحبوب والتمور، جرّب السفر إلى الهند فترة قصيرة مثل عديدين من جيله، وعاد منها دون أن يدوّن تجربته فيها أو يكتب شيئاً عن حياته، لكن شعره محفوظ في كتاب أصدره محدّثكم.
(9)
أما والدتهم، فكانت نازحة من بلاد الأناضول، قادتها الصدف العجيبة أيضاً إلى مطاف انتهى بها وهي طفلة، إلى عنيزة، في بيئة تختلف حياتها ولغتها ومناخها وتركيبتها السكانية عمّا نشأت فيه أساساً، فاندمجت فيها وصارت «قصيميّة» الهوى واللهجة والمهارات المنزليّة، وكان الوالد تزوّجها بعد وفاة زوجته الأولى، التي كتب فيها مرثيّة طويلة متداولة.
(10)
ألحق الأبوان طفلهما بالابتدائيّة في سنّ الخامسة، من دون أن يظهر عليه في حياته المبكّرة أي علامات للنجابة أو اهتمام بالثقافة والقراءة، لكن حياته كانت جادة تعالج الفراغ بالانشغال بأمور العائلة والمدرسة أو بالمشي، أو بتقديم أداء عمل لم يحن موعده، يشعر بطموح مبطّن لا يستطيع التعبير عنه، ولا يدري ما كنهُه، فالأبواب بدت موصدة من كل الاتجاهات الماديّة والتعليميّة والأسرية.
(11)
ببلوغ العاشرة من العمر، فُتح في عنيزة أحد المعاهد العلميّة التي بلغت الآن (66) معهداً تابعاً لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة، فرغب والده أن يلتحق به، لأن الشيخ الجليل السعدي تطوّع بالإشراف عليه، وكان المعهد يخصّص مكافأة شهريّة (80) ريالاً لطلابه، هم وأسرهم بحاجة إليها.
(12)
كان ذلك التحوّل أول صدفة غيّرت مجرى حياته التعليميّة، فلقد استمر في المعهد المذكور حتى أنهى كليّة اللغة العربيّة بالرياض، وكان أهم مكسب من هذا التحوّل الإلمام بقدر من العلوم الشرعيّة والعربيّة، شكّل أساساً مهمّاً لحياته العامة، وفي نشاطه الإعلامي والثقافي اللاحق.
(13)
في بداية دراسته في الرياض عام 1379هـ/1959م وانتقاله من مسقط رأسه، بدأ يشعر بنبض طموحه، يحس بالرغبة في تغيير مجرى دراسته، من غير أن يخسر سنوات درسها فيها، فوجد ذلك بالعودة إلى نظام وزارة المعارف، وصار يجمع بين دراستين؛ نهاريّة في كليّة اللغة العربيّة، ومسائيّة تمنح الكفاءة والثانويّة.
ثم جمع لاحقاً بين الدراسة في جامعة الملك سعود وكليّة اللغة العربيّة، مع تنسيق مواعيدها وامتحاناتهما، في مصادفة ثانية حوّلت مجرى دراسته الجامعيّة، دون خسارة ما حققه في الأولى.
(14)
وكان مما ولّدته تلك الحقبة في حياته، أنه صار أكثر دأباً في إنجاز عمله، وفي تصريفه للوقت والمواعيد، يأخذ كل أمر مأخذ الجدّ، ويحسب لكل مهمّة حسابها بالاستعداد لها، مهما بلغت بساطة شأنها، مما تلاءم بعد ذلك مع التزامات الإعلام بما تتطلّبه من تحضير واهتمام وقلق، واستمرّت هذه السمات في شخصيّته إلى اليوم.
(15)
في بداية عام 1383هـ / 1963م تخرّج من هذه الكلّية، منتظراً تعيينه في أحد المعاهد، علّ الرياض تكون من نصيبه ليتسنّى له إكمال السنتين المتبقّيتين عليه في كليّة الآداب.
هنا جاءت صدفة ثالثة لم يكن يتوقّعها، فوزارة الإعلام حديثة التكوين في ذلك العام في جدّة، وجّهت دعوة لكلّيته لاختيار خرّيجين يجيدون اللغة العربيّة تستثمرهم للعمل الإعلامي، وكان ترتيب محدّثكم عند التخرّج هو المطلوب للترشيح، وشاء الله أن يختار له الإعلام مهنةً ثم تخصّصاً للدراسات العليا، في تحوّل حرف مجرى حياته في اتّجاه آخر.
(16)
وهكذا، لم يكن العبور بكليّة اللغة العربية بالمقام الأول والسنوات التي قضاها فيها، مصدر ندم عنده، أو مبعث شعور بخسارة السنين، ولقد ظلّ يحمد الله إلى اليوم على أن قدّر له المرور بتخصّص اللغة العربيّة، الذي وفّر له أرضيّة مهمّة لثقافته، بل ولأعماله الإعلاميّة والتأليفيّة اللاحقة.
(17)
كانت الدراسة في كليّة اللغة العربيّة، تؤهّل للتدريس في المعاهد أو للعمل الإداري والتوجيهي فيها، ولم يكن أفق الخريج يصبو إلى ما هو أبعد، فمنهم من يتخّيّل نفسه عائداً إلى بلدته للتدريس، أو إلى مدينة قريبة منها، وربما تكون له فرصة في جهة في الرياض تحتاج إلى تخصّصه.
(18)
كان تلقّي الكليّة طلباً من وزارة الإعلام لترشيح مذيعين، يعني العمل في مجال جديد لم يخطر له على بال، وهكذا انتظر التعليم وأراد الله له الإعلام، وصار عليه أن يحزم حقيبته الصغيرة إلى جدة من حيث لم يتوقّع.
(19)
والواقع أن تخصّصه الجامعيّ في كليّة اللغة العربية، قد أفاده كثيراً في عمله الإعلامي اللاحق، وفي التدريس الجامعي، وفي اهتمامه بالتأليف والتوثيق فيما بعد، ليس بتمكينه فحسب من اللغة السليمة التي يتطلّبها كلٌ من الإعلامي وأستاذ الجامعة والكاتب، ولكن بحمايته من أن تطغى مدخلاتُ الثقافة الأجنبيّة وتأثيراتُها بعد حصوله على الماجستير والدكتوراه في بلاد الغرب، على مفرداتِ حديثه وحياته العامة.
(20)
باشر عمله في إذاعة جدة عام 1383هـ / 1963م قبل عام من افتتاح إذاعة الرياض، لكن قلبه ظل معلّقاً بإكمال عامين باقيين له في جامعة الملك سعود، فتحايل على إدارة الإذاعة لنقله إلى الرياض، للعمل مع فريق التحضير لافتتاحها.
(21)
وفي أثناء عمله القصير في الإذاعة، عاش تجربة تأسيس إذاعة الرياض بكل ظروفها، ثم فاجأته صدفة رابعة، انتقل معها إلى التلفزيون، وسعى بعد عامين للدراسات العليا.
وكادت ظروف في الأشهر الأخيرة من إكمالها أن تجبره على العودة، لكن إرادة الله كانت إلى جانبه في صدفة غير متوقّعة، إذ انتقل وزير الإعلام جميل الحجيلان- الذي له الفضل فيها ثم كان الراغب في قطعها- إلى وزارة الصحة.
(22)
أمضى في العمل الإعلامي التنفيذي أربعة عشر عاماً، بنجاحاتها وإخفاقاتها، جمع فيها بين العمل الإداري والتخطيطي وإنتاج أربعة برامج وثائقيّة خاصة به، وحاز بفضل الله في أثنائها شهادتي الماجستير والدكتوراه، وعاش عدداً من الأحداث الداخليّة والخارجيّة التي مرّت على البلاد والمنطقة والعالم، منها ما كان مراقباً لها ومنها ما كان منهمكاً فيها، وشرُف بالعمل مع جميل الحجيلان وإبراهيم العنقري ود.محمد عبده يماني.
وخرج باقتناع عبّر عنه في جملة من المواقف، بأن الإعلام الوطني الداخلي والخارجي، ومنذ بداياته، لم تتهيّأ له السمات الاحترافيّة المتمكّنة والمرونة الإداريّة الكافية، اللّتان تجعلانه يرتفع بالتطوّر المهنيّ الراقي إلى مكانة أمته ودولته ومجتمعه.
(23)
ثم شاء الله له أن تكون وجهته بعد ذلك في صدفة جديدة لم يخطط لها، إلى وزارة التعليم العالي عبر التدريس لسنوات في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود، ثم أصبح وكيلاً للوزارة لشؤون الجامعات، عاصر فيها كلاً من الشيخ حسن آل الشيخ ود.عبدالعزيز الخويطر ود.خالد العنقري.
واقترنت تلك الفترة باختياره عضواً في المجلس الأعلى للإعلام، الذي جاء إلغاؤه بعد ثلاثة وعشرين عاماً، مع مجالس غيره، استجابةً لدواعي الإصلاح الإداري، ولوجود مجلس الشورى.
واليوم، وبعد خمسة عشر عاماً من الإلغاء، يستحق المجلس أن تُسجّل بشأنه شهادتان للتاريخ؛
الأولى، كان الأمثل أن يستمرّ ويتطوّر ليملأ الفراغ النظامي المتمثّل في الفصل بين الاستحقاقين التنفيذي والتنظيمي في شؤون الإعلام، فضلاً عن أن كثيراً من دول العالم تستغني بمثل هذا المجلس عن إنشاء وزارات الإعلام.
والثانية، أن ارتباط المجلس بشخص وزير الداخليّة رئيساً، لم تخالطه اعتبارات أخرى من طبيعة الوزارة كما اعتقد البعض، بل كانت قراراته من الإنصاف بحيث انحازت مع الحق، حتى ولو جانبت مواقف جهات تنفيذيّة.
(24)
سار محدّثكم في الوسط الأكاديمي سبعة عشر عاماً، أسهم فيها إلى جانب التدريس، في عضويّة مجالس إدارة الجامعات، وتعامل فيها مع معادلة الشهادات الأجنبيّة، وشارك في وضع اللوائح والقضايا التعليمية المشتركة، وترأس بعض اللجان المركزيّة في الوزارة، واللجان البينيّة الجامعيّة.
كانت تجربته فيها فريدة متجدّدة، تعلّم منها أكثر مما علّم فيها، في مناخ أكاديمي راقٍ، مليء بالمكاسب الذهنيّة المتنوّعة، عبر التعاطي مع سبع جامعات، تحتضن مختلف التخصّصات العلميّة والإنسانيّة وبرامج الدراسات العليا.
(25)
وكما أتى إلى الإعلام والتعليم العالي عن طريق الصدف، قادته صدفة مماثلة إلى مجلس الشورى في بداية تكوينه، اكتسب فيها خبرات ثمينة؛ قانونيّة وشوريّة وبرلمانيّة، لا تتوافر في محيط آخر، وعاصر فيها فترة تأسيس المجلس في عهد رئيسيه الشيخ محمد بن جبير ود.صالح بن حميد.
ويمكن وصف تلك المرحلة الشورية، التي انشغل فيها باجتماعات المجلس وأعمال لجانه، بأنها كانت محطّة هادئة، مهّدت للانتقال إلى حقبة تقاعديّة متدرّجة منسابة، أدخلت محدَّثكم بعد اثني عشر عاماً من عضويّة المجلس، إلى العمل التطوّعي في جهات ثقافيّة خيريّة عدة، والانشغال في العمل الثقافي الماتع.
(26)
كان الولوج إلى العمل الثقافي واحداً من أبرز المصادفات التي مرّت بمحدّثكم، وهو الذي طاف بالإعلام والتعليم العالي والشورى وبلغ الأربعين من العمر، دون أن يمارس الكتابة المحترفة، فإذا بالقدر يقوده إلى عالم التأليف والتوثيق والبحث من أوسع الأبواب، فيستحوذ هذا النشاط الحالي على جلّ أوقاته، تاركاً حيّزاً يسيراً للالتزامات التطوّعيّة والاجتماعيّة الموجبة، ومتمنّياً لو امتدّ نهاره وليلته لساعات إضافيّة، بل متأسّفاً على الأعوام المبكّرة التي مضت من العمر دون أن يكون فيه للقراءة والتوثيق والبحث نصيب.
(27)
لقد كان مما انشغل به محدّثكم خلال العقدين الماضيين، ست سنوات في مجلس إدارة مؤسسة الجزيرة الصحفيّة، وثماني سنوات في مجلس أمناء الشركة السعوديّة للأبحاث والنشر، وكانت طبيعة ارتباطه بهاتين المؤسستين تلامس العمل المهني الصحفي مما لم يسبق له الاقتراب منه، حيث اكتسب من خلالهما خبرات نفيسة لم تتح له من قبل، ولعل فيما سيتضمّنه كتاب قادم بإذن الله عنهما، ما تقبلون به العذر عن تجنّب الحديث فيهما في هذه الندوة.
(28)
ينشغل المجتمع الإعلامي في هذه الآونة، بالحديث عن تلاشٍ وشيك للصحافة الورقيّة، وأن التلفزيون سيطاله التلاشي للعوامل نفسها، والواقع أن الغرابة ليست في تحوّلات العصر، بل في الأنظمة التي تصمّم لزمن معيّن، ولا تكون قابلة للمرونة مع متغيّرات الصنعة الإعلاميّة، فصارت المؤسسات الصحفيّة كصاحب مصنع صمّمه لمنتج معيّن فلمّا خانه الموسم قام بتعطيله.
لقد تطلّبت ظروف سياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة قبل خمسة وخمسين عاماً أن تتحوّل الصحافة إلى نمط المؤسسات الصحفيّة الأهليّة، بديلاً لما كان يسمّى صحافة الأفراد، لكن الحواجز التي تضمّنها التنظيم آنذاك، جعل من الصعوبة على الصحافة بمكان تجاوزها الآن إلّا بتغيير بنود النظام.
وكان يمكن منذ بدأت الصحافة المحليّة تواجه أوضاعاً صعبة، الاكتفاء بنظامي المطبوعات والشركات في تصريف شؤونها، ومنحها المرونة في ابتكار منصّات استثماريّة جديدة، تكفل لها التكيّف مع المتغيّرات الاقتصاديّة.
(29)
لقد خاض محدّثكم على مدى ربع قرن تجربة الكتابة بكل متطلّباتها، في التحرير والتأليف والفهرسة، وفي مراجعة مؤلّفات غيره، في حصيلة بلغت بفضل الله عدداً من المطبوعات، ولم ير من الحظوظ التي تساعد على التميّز في هذه المهارات، مثل موهبة إتقان اللغة العربيّة.
إن بإمكان المثقف أن يرتجل بطلاقة، وأن يعبّر بقلمه عن إفكاره، وأن يكتب بخطه الجميل، ولكن ليس بمقدوره أن يبلغ مرتبة التفرّد والإبداع بدون معرفة أصول الكتابة وعلامات الترقيم والإعراب، فالتمكّن من اللغة العربيّة السليمة حلية التعبير والكتابة والمنطق والفنون.
(30)
لقد عثر، وهو في أوائل العشرين من العمر، على خارطة المستقبل مع الإعلام، ووجد في التعليم العالي، وهو في بحر الثلاثين، أفقاً واسعاً في المعارف والبحوث، والاطّلاع على نظم الجامعات، وتعلّم تحت قبة الشورى، وهو في أواسط الخمسين، أدبَ الاختلاف في الرأي واحترامَه، واكتشف في النشاط الثقافي بعد تقاعده، الملاذ الفكري الشيّق والآمن، وازداد اقتناعاً بعد تلك الدروب، أن طالب العلم مهما تقدّمت به سنوات العمر، وشدا طرفا من العلوم والمعارف، فإنه يبقى صغيراً أمام سابقيه ومجايليه من العلماء الروّاد.
أَيُّهَا الأعزّاء،
وبعيداً عن التنظير، ستبقى الكواكب هي الكواكب، لكن الدنيا هي التي تتطوّر، وتطبيقات الإعلام تتعرّض للتغيير عاماً بعد عام، وعالم النشر يتجدّد، وثورة التقنية والمعلومات تمر بمراحل متسارعة من الاختراعات،
وكما أن البرقيّة والإذاعة والتلفزيون والأقمار الصناعيّة كانت أعجوبة القرن الماضي، فإن في الآفاق آياتٍ أكثرَ ذكاءً ستظهر، مصداقاً لقول الحق سبحانه في سورة فصّلت (سنريهم آيَاتِنَا في الآفاق).
وعلى أرباب صنعة الإعلام أن يتكيّفوا مع جديد العصر، ويُطوّعوه وفق قيَم المجتمع ومبادئه، ويُوظّفوه توظيفاً واعياً في خدمة الأمة.
أما أنتم أَيُّهَا الجيل الواعد، فإن بلادكم تتباهي بعزيمتكم بين الشعوب، بما تقدمونه للوطن، في سبيل تعزيز وحدته، وصون أمنه، وصنع تطوّره.
شاكراً ثقتكم، وتقبّلكم المحتوى المتواضع عن توقّعكم، ومعتذراً عمّا انزلق إليه الحديث من إطراء للنفس،
مقدّراً للنادي دعوته، ولمدير الندوة الأستاذ سعد المحارب جهوده، والسلام عليكم ورحمة الله.
... ... ...
* «منتدى الشباب الإبداعي»
نادي الرياض الأدبي، الأربعاء 14 / 5 / 1439هـ (31 / 1 / 2018م)
إدارة الأستاذ سعد المحارب المحاضر بقسم الإعلام بجامعة الإمام.