كتبت هذه المسرحية في فصل واحد، وقدمت لمسابقة التأليف المسرحي في جامعة الملك عبدالعزيز التي حقق بها كاتبها المركز الأول عام 1997م، في حين أن طبعتها الأولى تصدر عام 2017م عن دار المفردات؛ مما يعني أنها تنشر بعد 15 عامًا من كتابتها؛ ويعلل الكاتب لهذا النشر المتأخر الذي لم يكن ليحدث لولا تشجيع زوجته على ذلك.
وأهم ما يميز هذه المسرحية العناوين، والمتن، والحوار؛ إذ يتكون النص بداية من عنوان مركب في جملتين: (كان وهما / ما قل ودل)، وقد غاب اسم كان وفاعلا الفعلين(قل ودل)، مما يشعر بغياب شيء ما سيأتي داخل النص.
أما المتن فيقع في ثلاثة أجزاء: الجزء الأول: قراءة في المسرحية بعنوان (في صحبة القلب والعقل) كتبتها الدكتورة مها عبود باعشن وهي فنانة وأديبة: وقد تركزت قراءتها لمجمل المسرحية حول الجملتين في فاتحة المسرحية، الأولى جملة وردت على لسان القلب يقول: «الحب بريء مما تصنعون» والجملة الثانية على لسان المحقق: «عظمت الصدمة فقل الكلام» وقد اتخذت من الجملتين مفتاحًا واضحًا لقراءة النص، وهنا وقبل الانتقال للجزء الثاني لابد من الإشارة إلى أن هاتين الجملتين هما الجواب على ذلك الغياب الذي لوحظ في العناوين، فجملة كان وهما يقابلها في الجواب: «الحب بريء مما تصنعون» إنه الحب ذلك الغائب في كل أحداث المسرحية، والغائب الثاني في جملة (ما قل ودل) تجيب عنه جملة «عظمت الصدمة فقل الكلام»، فالحب والكلام محورا النص الأساسيين الغائبين، فالحب وهو بين اثنين والحوار الذي يوقظ هذا الحب لم يظهرا في النص وظهر طرف واحد بحديث موجز هو الشاب العاشق.
والجزء الثاني: مقدمة المؤلف، وألقى فيها الضوء على الظروف التي كتب فيها المسرحية والنتيجة التي تكللت بفوزها بالمركز الأول في المسابقة، واختتمها بالشكر لكل من أسهم في دعم هذا العمل حتى خروجه إلى النور.
أما الجزء الثالث: فهو نص المسرحية الذي صدره بعبارة (الفصل الأول) وهو في الحقيقة الأول والوحيد أيضًا.
يركز الكاتب على وصف المسرح بدءًا من الصالة التي تحتوي على مكتب وكرسي وأبواب وإضاءة معلقة مرورًا باللوحة التي علق عليها أبيات الأصمعي: أيا معشر العشاق بالله خبروا... إذا حل عشق بالفتى كيف يفعل، وانتهاء بالإغفال المتعمد للزمن فلا تظهر أي علامة تدل عليه لا برزنامة ولا بساعة حائطية. في حين تتكون شخصيات هذه المسرحية من المحقق والشاب الذي يرفض ذكر اسمه والقلب والعقل.
إن هذا التعتيم الشكلي للشخصيات المغفلة من الاسم والوصف والشكل والهيئة، بالإضافة إلى الإغفال الزمني يوحي بفكرة إنسانية لها صفة الديمومة والخلود، وهي (الحب)، وعلى هذه القيمة وبحثًا عن إجابة سؤال الأصمعي يدور حوار المسرحية.
ومن خلال أبيات الأصمعي التي تتحدث عن الحب يتجسد الارتباط بالموروث من جانب، والامتياح من مورد الحب العذري الذي يصدر عنه من جانب آخر. لقد أوشك الشاب المعذب أن يصبح أحد مجانين العشق الذين يحدثنا عنهم التراث العربي، وهنا شكل آخر من أشكال التواصل الثقافي بين الموروث والحاضر، فإذا كان العاشق قديمًا يهذي بالشعر ولا يشعر بمن حوله ويتعامل معه المجتمع على أنه مجنون فاقد الأهلية؛ لذلك يصبح النبذ والتهميش نصيبًا له، فإن هذه الفكرة تستمر في هذا النص مع الشاب الذي أوشك من شدة الحب أن يقتل نفسه فيقع نتيجة لذلك في يد المحقق، الذي يقرر أنه مجنون أيضًا، ولولا بعض العبارات التي كان يلتقط فيها شذرات العقل لما واصل حديثه معه، فالتهميش الذي هو نصيب الحب والجنون يبقى موروثًا عربيًا أصيلًا.
ومما يفتقد له هذا النص الإرشادات المسرحية التي تميز نص المسرحية عن القصة بأنواعها؛ إذ باستثناء الوصف الذي جاء في أول الفصل موجزًا للمكان المسرحي لا تظهر إشارات أخرى تدل على المناخ المسرحي، فالتأثيرات المسرحية المرئية والمسموعة لم توظف داخل نص مسرحي يحتفي بتلك الظواهر، وكأن العمل قد تحول إلى قصة حوارية، وإذا كان الحوار أداة من أدوات العمل المسرحي، فقد أصبح في هذا النص الأداة الوحيدة التي تقدم العمل، وتميز هذا الحوار بالإيجاز والاختصار، إضافة إلى تداخل نوعي الحوار الداخلي والخارجي في سياق واحد؛ إذ يأتي الحوار الخارجي من طرف المحقق فيما يأتي الجواب من الشاب بصوت مرتفع معبرًا عما يختلج في ذاته من صراع.
ولأهمية الحوار فقد بدأت به المسرحية بدءًا من العنوان ومرورًا بالمداخل، وبه انتهت أيضًا فأبيات الأصمعي التي بدأت بها المسرحية معلقة على جدار المسرح تحاورها كلمات أغنية الأطلال لإبراهيم ناجي في آخر المسرحية:
ياحبيبي كل شيء بقضاء
ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدرانا
ذات يوم بعدما عز اللقاء
ويلاحظ تعمد الكاتب إخفاء المرأة في النص ليس فقط على صعيد الشخصيات التي لم تظهر فيها الفتاة الطرف الثاني في قصة الحب؛ وذلك لإثبات سلبية الحب من طرف واحد بل أيضًا في إيراده لأ غنية الأطلال فقد تعمد إخفاء اسم المرأة التي تغنت بها، رغم اشتهار هذه الأبيات مغناة بصوت أنثوي.
هكذا فقد سيطر البعد الوجداني على أركان المسرحية حتى تلبست أدواتها الفكرة ورسم من خلالها سراب الحب، الذي اكتشفه بطل المسرحية حينما أعطى طرفي الحب العقل والقلب حقهما باعتدال.
** **
د. دلال بندر المالكية - أكاديمية وشاعرة - السعودي