إن جاءك أحدهم وهمس إليك في أمور دنياك ودينك، وقال لك: إن هذا سر. فاعلم أنه من أهل الغلو.. ولك أن تتساءل: لماذا اختصك بهذا السر؟ هل حباً فيك؟ أم مدعاة لمصلحتك؟ أم ذلك مدعاة لمصلحة يسعى إليها؟ إذ طالما أنه سر لماذا يفشيه لك؟
ولكن عليك أن تتفهم أن هناك ودائع عينية يودعها الناس لبعضهم البعض، ويأتمنونهم عليها، إما لدواعي سفر مثلاً أو حرب أو هجرة أو ما شئت.. وفي النهاية عندما يعودون تعاد إليهم هذه الودائع. من هذه المسألة عليك أن تتفهم أن هناك ما يثقل على كاهل صديق أو عابر سبيل فيحادثك بما يثقل كاهله، وستلمس حاجة هذا الصديق أو الزميل أو من يكون إلى إفراغ ما في نفسه لأن الحمل ثقيل عليه ويريد من يحمله معه، فإن حمّلك فعليك أن تحفظ هذا حتى تشعر أنك قد تخرجه إلى آخر عندها توجه إلى الشخص ذاته وأبلغه أنك لا تطيق تحمل هذا السر فأنا حل منه ولا شأن لي به وها أنا أعيده إليك حتى لا يخرج إلى غيري مني.
أي أنت من يحدد قيمة هذا السر ومشروعية الحفاظ عليه، فإن كان لا يحمل قيمة فواجهه مباشرة قبل أن يغادرك بأن هذا ليس سراً ولا يجوز أن يقوله، وأفهمه أنك ستتخلص منه عبر أقرب واحد يمر بك.
أما من يأتي ويحدثك عن الدين ويقول لك إن هذا سر فاعلم أنه يريد لك التهلكة، لأن الدين لا أسرار فيه، والعلم فيه لا يحمل سراً ولا يحوم حوله شك، وإنما الشك يحوم حول ذلك الشخص الذي يود أن ينقضّ عليك، وينقُضُ عليك دينك، ويشكك في مسائل ليلقي على قلبك مسائل أخرى قد تزيغ بعدها إن طاوعته.. واحذر هذا النوع أكثر من الأول، لأن الأول سيخرب علاقتك بمن حولك والثاني سيخرب علاقتك بربك، فلا تستمع إليه ورد عليه بكل ما تملك من قوة في القول وبكل حصافة وذكاء بحيث أنك أنت من يؤثر فيه وليس هو من يؤثر فيك.
سيأتونك من باب أن فلاناً قال، وسيكثرون لك من الإسناد إلى فلان العالم أو الفقيه أو الأستاذ أو الشخصية المهمة، ودوماً النفس رغّابة وميّالة فإن نسبت الكلام إلى شخص تحبه وتعتقد أنه حسن ستقبله لا شعورياً لاعتقادك في الشخص لا فيما جاء من كلام، لأن الإسناد هنا جاء إلى فلان محبب إليك، ولهذا لا تفكر في الكلام بقدر ما تفكر في المسند إليه وتتقبله، وإن جاء الكلام عن فلان الذي تكرهه أو على الأقل الذي لا تميل إليه حتى وإن كان حقًا فإنك ترده، وبهذا أنت طبقت مقولة «يعرفون الحق بالرجال ولا يعرفون الرجال بالحق»، وهذا معكوس من مقولة لعلي بن أبي طالب وهناك إضافات فيه لابن سينا، ولا يعني أنني أسند هذا القول لابن سينا من أجل أن تسايرني بل يعني أن هناك حقائق لا بد أن تلتزم بها، وأن هناك مقولات لا مانع أن نستعملها، وأن نستشهد بها لأننا ندرك دربنا، وطالما أننا ندرك دربنا فإننا نفرق بين الغث والسمين، بين الحق والباطل.
وستلحظ في المقولة السابقة أن الناس تؤمن بالآخرين، وتصادق على كلامهم، وأن الشكل أو القناع لا يكتشفونه لأنهم ليسوا من النوع الذي يتأمل، فغالبهم كما قلت سابقاً أهل ظن، فما أن يظنوا في فلان خيراً فإن كل ما يقوله خيراً، وكأنه ليس إنساناً مثلهم يخطئ ويصيب. وستلحظ في المقولة السابقة أن الناس إن ساء ظنها في شخص فإنها لا تثق فيه ولا في كلماته. أما المسألة الشائكة التي يجب تمحيصها وتدقيقها والعمل على أن تحل معضلتها هي العكس وهي المقولة الصحيحة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهي: «الرجال يعرفون بالحق، وليس الحق يعرف بالرجال». وهم هنا عكسوها لك بحيث أنهم يجعلون معرفتك بالحق عن طريق الرجال، بينما المفروض أن أعرف الرجال عن طريق الحق، فالحق هو الأصل وهو الثابت.
وهذا أحد أسرارهم التي ينتهجونها وذلك للتأثير على الآخر عن طريق نسبة القول إلى فلان وإلى علان، حتى ولو كذبوا على فلان.
فاحذر ولا تكن ممن قال عنهم الشاعر:
هل أنا إلا من غزية إن غوت *** غويت، وإن ترشد غزية أرشد
غداً أو بعد غد يمارس الناس سوآتك التي ينهونك عنها!!
- برناردشو
** **
- محمد الغامدي