د. عبدالحق عزوزي
خطاب حالة الاتحاد هو خطاب وتقليد سنوي يلقيه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي (مجلسا النواب ومجلسا الشيوخ) في مبنى الكابتول. جرت العادة أن الرئيس الأمريكي يعرض في هذه الخطبة الحالة الداخلية للبلد ويعرض تصورا استراتيجيا للأجندة التشريعية والأولويات الوطنية أمام النواب الذين يمثلون الشعب الأمريكي. ولكن هاته السنة، كانت خطبة ترامب جد منتظرة، لأنها أول خطبة يلقيها في الكونغرس بعد وصوله إلى عرش البيت الأبيض، وثانيا لأن رئاسته مليئة بالأحداث والوقائع غير المعتادة في أدبيات الرؤساء الأمريكيين السابقين ومن بينها جملة الاستقالات أو الإقالات التي تصيب كبار المسؤولين الأمريكيين، كان آخرها استقالة أندرو ماكيب نائب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (هذا الجهاز المعروف اختصارا بـ»الإيف بي آي»، والذي يبلغ عمره مائة وثماني سنوات ويشتغل في حوالي 400 مدينة أمريكية و50 سفارة عبر العالم) من منصبه على خلفية صراعات متتالية مع الرئيس دونالد ترامب، الذي اتهمه بأنه يمول الديمقراطيين. ولا ننسى أن المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي كان قد أقاله الرئيس الأمريكي بنفسه بسبب التحقيق حول التدخل الروسي. وقد أشاد جيمس كومي في الأيام الماضية في تغريدة على «تويتر» بماكيب لأنه «بقي مرفوع الرأس في الأشهر الثمانية الأخيرة عندما حاول أشخاص بلا رادع تدمير مؤسسة نعتمد عليها جميعا» .
من بين ما أعلن عنه أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه الأول عن حالة الاتحاد أنه وقع لتوه مرسوما يقضي بإبقاء معتقل غوانتانامو مفتوحا، ليفي بوعد كان قد قطعه في حملته الانتخابية ويئد بذلك كل المحاولات الفاشلة والعديدة التي بذلها سلفه أوباما لإغلاق هذا السجن. وأضاف على وقع هتاف الحاضرين «أنا أطلب من الكونغرس ضمان أن تبقى لدينا في المعركة ضد تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة صلاحية احتجاز الإرهابيين حيثما اصطدنا أيا منهم وحيثما وجدنا أيا منهم، وفي كثير من الحالات فإن هذا المكان سيكون بالنسبة إليهم حاليا خليج غوانتانامو».
وتناول ترامب في خطابه أزمة كوريا الشمالية حيث حذر من تقديم «تنازلات» أمام التهديد النووي الكوري الشمالي، واعدا «بعدم تكرار أخطاء الإدارات السابقة التي وضعتنا في هذه الحالة الشديدة الخطورة» وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه وقوف الولايات المتحدة «إلى جانب الشعب الإيراني في نضاله الشجاع في سبيل الحرية»، في إشارة إلى العديد من الاحتجاجات التي عرفتها إيران مؤخرا. وقال ترامب «عندما انتفض الشعب الإيراني ضد جرائم دكتاتوريته الفاسدة، لم التزم الصمت»، مطالبا في الوقت نفسه «الكونغرس بحل المشاكل الجوهرية للاتفاق الكارثي حول البرنامج النووي الإيراني» وتطرق الرئيس ترامب إلى الصين وروسيا حيث اعتبرهما دولا تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية واقتصادها وقيمها، وأشار إلى نوع من الإستراتيجية العسكرية عندما طالب الكونغرس «إقرار التمويل اللازم للقوات المسلحة الأمريكية ولا سيما من أجل «تحديث وإعادة بناء ترسانتنا النووية بغية جعلها قوية وشديدة بما يكفي لردع أي عدوان».
وتطرق ترامب إلى خطة استثمارية بقيمة 1.5 تريليون دولار لتحديث البنى التحتية المتقادمة في البلاد؛ كما تطرق إلى موضوعه المعتاد حول الهجرة، ولكن الجديد هاته المرة أنه قال بأنه «يمد يده» من أجل اتفاق حول الهجرة، وإنه سيتيح «للحالمين» من المهاجرين الذين يطمحون إلى الحصول على الجنسية سبيلا إلى ذلك على مدى 10-12 عاما، مقابل قبول الكونغرس الأمريكي ويعني بذلك المعارضة تمويل الحائط على الحدود مع المكسيك.
قد تعجب المتتبعين المتخصصين محاور خطاب الرئيس الأمريكي وقد لا تعجبهم، بل حتى إن السياسيين الأمريكيين الكبار من قلب الحزب الجمهوري قد لا تعجبهم خطوات ترامب الذي هو أيضا زعيم حزبهم؛ ولكن رجل الأعمال الرئيس لا يخاطبهم بل يخاطب ويوصل نوعا محددا من الرسائل يريد سماعها الملايين من الأمريكيين، أي أولئك الذين لهم كلمة الفيصل يوم الانتخابات، وقد لخص ذلك هنري كيسنجر في إحدى مقابلاته الصحفية عندما أكد أن صول ترامب إلى البيت الأبيض «قد يسمح بتأسيس توافق بين سياساتنا الخارجية وحالتنا الداخلية، فقد كانت هناك فجوة واضحة بين منظور العامة، ومنظور النخب، حول السياسة الأمريكية الخارجية. أظن أن الرئيس الجديد لديه فرصة للإصلاح بينهما، والأمر لديه باستغلالها من عدمه.»