- إذا صَحَّحْتَ عِلاقاتِكَ، فَالمَخاوِفُ كُلُّهنَّ أمانٌ!
(خالد محمد خالد)
ما دُمْتَ تَحْيا بَيْنَ النَّاسِ حَياةً عادِيَّةً عادِلَةً، فَسَيَكونُ في قَلْبِكَ مِنَ الشَّجاعَةِ وَالأمْنِ ما يَمْنَحُكَ غِبْطَةً لا يَقْدِرُ عَلى شِرائها مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا..
وَلَكِنْ، هَلْ سَيُنْهي ذَلِكَ مَخاوِفَكَ؟
أجَلْ.. سَيُنْهِي مَخاوِفَكَ مِنَ النَّاسِ..
وَلَكِنْ تَبْدَأ مَخاوِفُ أخْرى..
الخَوْفُ مِنَ الغَيْبِ!
خَوْفُكَ مِنَ المُسْتَقْبَلِ المَحْجوبِ.
خَوْفُكَ مِنَ اللهِ.
خَوْفُكَ مِنَ المَوْتِ..
وَهُنا، كَما هُناكَ.. لا سَبيلَ لِلتَّحَرُّرِ مِنْ هَذا الخَوْفِ إلَّا بِنَفْسِ الوَسيلَةِ السالِفَةِ.. تَصْحيحِ عِلاقاتِكَ وَإضاءتِها بِنورِ الفِهْمِ وَالخَيْرِ..
لَقَدْ صارَ النَّاسُ يَتَسَلَّوْنَ بِأصْواتِ الرَّعْدِ وَالبَرْقِ، وَبِمَنْظَرِ الشُّهُبِ الَّتي تَخْتَرِمُ الفَضاءَ.. بَعْدَما كانوا قَديمًا يَهَلْعُونَ مِنْها وَيَفْزَعونَ.. فَلِماذا؟!
لأنَّهُمْ بِالأمْسِ كانوا يَجْهَلْونَ حَقيقَتَها، وَكانَتْ عِلاقاتُهُمْ بِها وَبِالكَوْنِ كُلِّهِ تَسْتَمِدُّ مِنْ هَذا الجَهْلِ سُلوكَها، فَيَرْبِطونَها بِغَضَبِ الآلهَةِ، وَيَرَوْنَها سَوْطَ عَذابٍ!
فَلَمَّا فَهِموا، وَعَرَفوا، وَاسْتَقامَتْ عِلاقاتُهُمْ بِها عَلى جادَّةِ المَعْرِفَةِ وَالفِهْمِ؛ ذَهَبَ الخوفُ مِنْها إلى مَنْفاهُ البَعيدِ..
* صَحّحْ عِلاقَتَكَ بِالغَيْبِ؛ فإنَّكَ لَنْ تَفْزَعَ مِنْهُ أبَدًا.
* وَصَحّحْ عِلاقَتَكَ بالمُسْتَقْبَلِ؛ بِأنْ تَعْمَلَ لَهُ في سَدادٍ.
إنَّ المُسْتَقْبَل لَيْسَ غَريبًا عَنْكَ، إنَّهُ امْتِدادٌ لِحاضِرِكَ؛ فإذا وَفَّرْتَ لِعَمَلكَ اليَوْمَ أقْصى أسْبابِ السَّلامَةِ وَالإجادَةِ فإنَّ عَمَلكَ غَدًا - وَهُوَ ما نُسَمِّيهِ المُسْتَقْبَلَ- سَيَكونُ سَليمًا جَيِّدًا..
صَحيحٌ أنَّ دُروبَ الغَيْبِ كَثيرًا ما تَفْجَأ النَّاسَ بِما لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلى بالٍ؛ لَكِنْ لا رَيْبَ في أنَّ أكْثَرَ هَذِهِ المُفاجآتِ تَجيءُ ثَمَرَةَ أعْمالٍ لَنا سابِقَةٍ، وَأخْطاءٍ سالفَةٍ..
وَقَليلٌ مِنْ هَذِهِ المُفاجآتِ، يَكونُ كأنَّما صُنِعَ في غَيْبَةٍ مِنَّا، وَلَكِنْ، أيُّ جَدْوى في تَرَقُّبِ مِثْلِ هَذا الغَيْبِ، وَحِمْلانِ هُمومِ أمورٍ لَمْ تَقَعْ، وَقَدْ لا تَجيءُ أبَدًا؟!\
فَدَعِ التَّوقُّعَ لِلْحَوادِثِ إنَّه
لِلحَيّ مِنْ قَبْلِ المَماتِ مَماتُ
***
* وَصَحّحْ عِلاقَتَكَ بِاللهِ، بِأنْ تُحاوِلَ الاقْتِرابَ مِنْ فهْمِ اللهِ..
إنَّنا نَخافُ اللهَ لأنَّهُ تَوَعَّدَنا بِعَذابِهِ.. عَجَبًا! أوَلَمْ يَعِدْنا كذَلِكَ بِرَحْمَتِهِ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؟
إنَّ أباكَ قَدْ يُخَوِّفُكَ، بَلْ قَدْ يَقْسو عَلَيْكَ لِصالِحَكَ: فهَلْ لا تَعْرِفُ مِنْ أبيكَ إلَّا أنَّهُ الرَّجُلُ الَّذي يَهُشُّ عَلَيْكَ بِعَصاهُ؟!
أبَدًا.. فَعِلاقَتُكَ بِأبيكَ تَقومُ أوَّلًا، وَدائمًا عَلى أنَّهُ أبوكَ الحاني الَّذي يُطْعِمُكَ وَيَكْسُوكَ، وَيَشْتَري مَسرَّاتِك بِالدَّيْنِ، وَتَتَلَخَّصُ مَباهِجُ الحَياةِ عِنْدَهُ في هَذِهِ الكَلِمَةِ: «ابْني»!!
فَإذا خَوَّفَنا اللهُ، وَلَوَّحَ لَنا بِالعِقابِ، فَلَيْسَ مَعْناهُ أنَّهُ المُنْتَقِمُ ثُمَّ لا شَيْءَ؛ كَلَّا.. إنَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحيمُ، السَّلامُ، الغَفورُ، الوَدُودُ، إنَّه القُدُّوسُ الَّذي لا تُحَرِّكُهُ الغَرائزُ الغاضِبَةُ، إنَّهُ الكَمالُ المُطْلَقُ؛ فَأقِمْ عِلاقَتَكَ بِهِ - سُبْحانَهُ- عَلى الحُبِّ، وَالرَّجاءِ وَالهُدى!
***
وَصَحّحْ عِلاقَتَكَ بِالمَوْتِ، بِأنْ تُدْرِكَ حَقيقَتَهُ، وَبِأنْ تَسْتَعِدَّ لَهُ بِحَياةٍ طَيِّبَةٍ؛ فَما المَوْتُ إلا انْتِقالٌ إلى حَياةٍ أفْضَلَ وَأهْنَأ، وَلَكِنَّ الأساطيرَ الَّتي أحاطَتْ بِهِ، وَوَضَعَتْهُ داخِلَ إطارٍ مِنَ الشَّوْكِ وَالأذى، وَالهَوْل هِيَ المَسْؤولَةُ عَنْ تَشْويهِهِ وَتحْريفِ حَقيقَتِهِ