«الجزيرة» – محمد المرزوقي:
وصف الدكتور عبد الرحمن الشبيلي تجربته بين الدراسة و الإعلام والتعليم العالي والشورى، ومع البحث والتأليف والتوثيق، بأنها تمثل خمس مراحل استغرقت كل واحدة منها فترة زمنيّة معتبرة من العمر، الذي تشكّل عبرها من خلال بضع مصادفات ، قادت إليها الأقدار وغيّرت مجرى الحياة، دون أن يسعى إليها صاحبها بأي جهد أو تخطيط، مشيرا إلى أن تخصص الدراسة كان إحدى تلك الصدف، ومثلها في اختيار التخصص، وفي تنقّلاته الوظيفيّة، مستعرضا مسيرة حياته العلمية والعملية عبر مصادفات الحياة التي قال عنها الشبيلي: كانت لي في صحّتي وفي أسرتي مصادفات أخرى، إذ ولدت في في مدينة عنيزة بالقصيم، أواخر 944م، في أسرة مستورة الحال، شقيقاً لثلاثة إخوة وأربع أخوات، كان والدهم طالب علم وشاعراً، ارتبط كثيراً بشيخ المدينة ذائع الصيت عبدالرحمن السعدي وأقرانه في حينه، له محل بسيط لبيع الحبوب والتمور، جرّب السفر إلى الهند فترة قصيرة مثل عديدين من جيله، وعاد منها دون أن يدوّن تجربته فيها أو يكتب شيئاً عن حياته، لكن شعره محفوظ في كتاب أصدرته، أما والدتهم، فكانت نازحة من بلاد الأناضول، قادتها الصدف العجيبة أيضاً إلى مطاف انتهى بها وهي طفلة، إلى عنيزة، في بيئة تختلف حياتها ولغتها ومناخها وتركيبتها السكانية عمّا نشأت فيه أساساً، فاندمجت فيها وصارت «قصيميّة» الهوى واللهجة والمهارات المنزليّة، وكان الوالد تزوّجها بعد وفاة زوجته الأولى.. جاء ذلك خلال الأمسية التي أقامها منتدى الشباب الإبداعي بناي الرياض الأدبي الثقافي بعنوان:»تجربتي للشباب» التي أدارها سعد المحارب.
وعبر بوابة المصادفة تبدأ مسيرة الشبيلي التعليمية عبر التحاقه بمعهد عنيزة العلمي، واصفا بداية هذه الوجهة قائلا: كان ذلك التحوّل أول صدفة غيّرت مجرى حياتي التعليميّة، إذ كان أهم مكسب من هذا التحوّل الإلمام بقدر من العلوم الشرعيّة والعربيّة، شكّل أساساً مهمّاً لحياته العامة، وفي نشاطه الإعلامي والثقافي اللاحق، لتأتي بعد المرحلة الجامعية التي تخرجت منها من كلية اللغة العربية،صدفة ثالثة لم يكن أتوقّعها، فوزارة الإعلام حديثة التكوين في ذلك العام في جدّة وجّهت دعوة لكلّيته لاختيار خرّيجين يجيدون اللغة العربيّة تستثمرهم للعمل الإعلامي، فكان ترتيبي عند التخرّج هو المطلوب للترشيح، وشاء الله أن يختار له الإعلام مهنةً ثم تخصّصاً للدراسات العليا، في تحوّل حرف مجرى حياته في اتّجاه آخر؛ موضحا أن تخصّصه الجامعيّ في كليّة اللغة العربيٌة، قد أفاده كثيراً في عمله الإعلامي اللاحق، وفي التدريس الجامعي، وفي اهتمامه بالتأليف والتوثيق فيما بعد، ليس بتمكينه فحسب من اللغة السليمة التي يتطلّبها كلٌ من الإعلامي وأستاذ الجامعة والكاتب، ولكن بحمايته من أن تطغى مدخلاتُ الثقافة الأجنبيّة وتأثيراتُها بعد حصوله على الماجستيروالدكتوراه في بلاد الغرب، على مفرداتِ حديثه وحياته العامة.
وعن جوانب من تجربة الحياة العملية الإعلامية، قال الشبيلي: أمضيت في العمل الإعلامي التنفيذي أربعة عشر عاماً، بنجاحاتها وإخفاقاتها، جمعت فيها بين العمل الإداري والتخطيطي وإنتاج أربعة برامج وثائقيّة خاصة به، وحزت بفضل الله في أثنائها شهادتي الماجستير والدكتوراه، وعشت عدداً من الأحداث الداخليّة والخارجيّة التي مرّت على البلاد والمنطقة والعالم، منها ما كنت مراقباً لها ومنها ما كنت منهمكاً فيها، وخرجت باقتناع عبّر عنه في جملة من المواقف، بأن الإعلام الوطني الداخلي والخارجي، ومنذ بداياته، لم تتهيّأ له السمات الاحترافيّة المتمكّنة والمرونة الإداريّة الكافية، اللّتان تجعلانهيرتفع بالتطوّر المهنيّ الراقي إلى مكانة أمته ودولته ومجتمعه، مستعرضا الشبيلي تجربته الأكايمية في وقفات لمسيرة (17) عاما، وصفها بالفريدة المتجددة المليئة بالمكاسب الذهنية؛ يما وصف الشبيلي التجربة (الشورية) قائلا: يمكن وصف تلك المرحلة الشورية، التي انشغلت فيها باجتماعات المجلس وأعمال لجانه، بأنها كانت محطّة هادئة، مهّدت للانتقال إلى حقبة تقاعديّة متدرّجة منسابة، أدخلتني بعد (12)عاماً من عضويّة المجلس، إلى العمل التطوّعي في جهات ثقافيّة خيريّة عدة، والانشغال في العمل الثقافي الماتع.
ومضى الشبيلي مستعرضا تجاربه (المرحلية) قائلا: لقد عثر محدثكم، وهو في أوائل العشرين من العمر، على خارطة المستقبل مع الإعلام،ووجد في التعليم العالي، وهو في بحر الثلاثين، أفقاً واسعاً في المعارف والبحوث، والاطّلاع على نظم الجامعات،وتعلّم تحت قبة الشورى، وهو في أواسط الخمسين، أدبَ الاختلاف في الرأي واحترامَه،واكتشف في النشاط الثقافي بعد تقاعده، الملاذ الفكري الشيّق والآمن،وازداد اقتناعاً بعد تلك الدروب، أن طالب العلم مهما تقدّمت به سنوات العمر، وشدا طرفاً من العلوم والمعارف، فإنه يبقى صغيراً أمام سابقيه ومجايليه من العلماء الروّاد، أعقب ذلك جملة من مداخلات الحضور وأسئلتهم.