د. محمد بن إبراهيم الملحم
النشاط اللاصفي بدأ في القرن 19 بناد أدبي في جامعة هارفارد ثم استحسنت الفكرة وانطلقت في كل المجالات الأخرى والمستويات الأدنى من التعليم العام، وكما ضحت في مقالتي السابقتين عن النشاط الطلابي فقد وضحت دراسات متعددة أهميته كمحفز للنجاح الأكاديمي وليس كعنصر بناء للشخصية والمهارات فقط (مع أهميتهما)، وقد ألمحت دراسة أكاديمية أمريكية عام 2009 أن الطلاب الذين يضغطون على أنفسهم في الانخراط في أنشطة كثيرة جدا أو في نشاط معين ولكن بشكل مكثف جدا بحيث يزدحم جدولهم اليومي أكثر من المعتاد كانت إجاباتهم عن فائدة النشاط لهم غير إيجابية كثيرا على نحو ما ذكره المعتدلون، وهذه نقطة مهمة لمنفذي النشاط ألا يستهلكوا بعض الطلبة البارعين في مجال معين بكثرة المشاركات والانشغال في استعداداتها بما يؤثر سلبا عليهم.
لقد كان استشهادي فيما سبق بما لدى الغرب وهنا انطلق بكم للشرق قليلا لنرى ملامح جديدة نوعا ما، ففي كوريا مثلا تمثل نوادي النشاط اللاصفي والتي يكون موعدها بعد المدرسة فرصة للطلاب لممارسة أنشطتهم باختلاف أنواعها، وهي في مجالات متعددة ورائعة فمثلا ناد لكتابة الأخبار وإخراج جريدة توزع بالمدرسة، ناد لجمع التبرعات وتوزيعها، وهكذا والطلاب يقودون العمل في هذه النوادي كما أنها تمثل جزءا مهما من حياتهم اليومية والآباء يحرصون على التحاق أبنائهم بها. أما في الجامعات فإنه وبحسب ورقة علمية نشرها ثلاثة من الأساتذة الكوريين المرموقين فإن النوادي تشمل أيضا اهتمامات علمية في التخصص نفسه كالعلوم والتكنولوجيا والرياضيات والطب والبيئة وما إلى ذلك مما يثري الطالب علميا في مجاله... وتقول الورقة أن ذلك يعوض النقص الحاصل بسبب محدودية الساعات الدراسية المخصصة للبرنامج الأكاديمي في كثير من الجامعات الكورية كما أنه يحقق ما تطمح إليه الشركات التي ستوظف هؤلاء الخريجين مستقبلا. هذا التركيز على الجانب العلمي في النشاط اللاصفي له ما يشبهه في اليابان ولكنه ممثل في «مراكز المذاكرة» Cram Schools وهي مستويين جوكو Juku ويوبيكو Yobiku فالأولى غالبا تعمل مع طلاب المرحلة الابتدائية لتقدم برامج في الهوايات مثل الرسم والفنون الأدائية والخط والسباحة الخ لكنها أيضا تقدم موضوعات علمية كالعلوم والرياضيات لتجهزهم للمرحلة الثانوية كما يلتحق بها طلاب المرحلة الثانوية لتجهزهم في هذه الموضوعات العلمية لمستوى المدرسة الثانية (اليوبيكو) والتي هي متخصصة فقط في برامج علمية للمرحلة الثانوية للإعداد لاختبار القبول الجامعي الذي يخشاه كل طالب ياباني لصعوبته المفرطة لكنها تقدم هذه الموضوعات بواسطة مدرسين يتبسطون مع الطلاب ويجعلون من التعلم متعة أكثر منه دراسة أكاديمية كما يحصل في الفصل الدراسي، ولذلك فإن 60% على الأقل من طلاب الثانوية يلتحقون بهذه المراكز (اليوبيكو) لحاجتهم إليها.
في اليوم المدرسي العادي في اليابان فإن الطلاب يمارسون الأنشطة لمدة ساعتين يوميا في المدرسة بعد إنتهاء وقت الحصص حيث يقوم المعلمون بدور المشرفين على النشاط كما يحدد الطلاب خططهم للعمل اليومي بأنفسهم، وكل طالب ينضم لناد واحد فقط ونادرا ما يغير هذا النادي من سنة لأخرى بل غالبا يستمر فيه، وهي نواد مقسمة إلى مجالين رئيسين النوادي الرياضية (بأنواعها ومن ضمنها الرياضات المحلية كالجودو والكيندو) والنوادي الثقافية (اللغة الإنجليزية، الإعلام، الخط، العلوم، الرياضيات، والكتاب السنوي)، وبالمناسبة فإن التعليم لديهم تشرف عليه وزارة تسمى MIXT هي اختصار ل (وزارة التربية والثقافة والرياضة والعلوم والتقنية) حيث عام 2001 دمجت هذه الأنشطة كلها في مؤسسة واحدة، وهذا وحده يفسر ببساطة كيف تنظر اليابان إلى ما يتعلمه طلابها من مجالات متكاملة معا لتشكل شخصية المتعلم، بل لكي لا تتنافر هذه المؤسسات فيما بينها فيما تقدمه للطلاب وهو أمر نشهده باستمرارا لدينا، مثلا المباريات التي تقام أيام الاختبارات أو قبلها بقليل! أوالأوعية الثقافية أو الإعلامية التي تقدم موضوعات لا تتسق مع محتويات المنهج المدرسي (أو العكس)! متى سيكون الدمج لدينا يا ترى؟