د. خيرية السقاف
في الصباح الباكر تتجلى الأرواح..
ذلك لأن الليل الملاذ قد استشفها, فحمل عنها أثقالها,
حتى إذا ما تنفس الصبح ذراها في فضاءاته المتوثبة..
تطفو على بساط نوره, وهاجةً نقية, كما الريشة في جناح أثيره..
قال لي ابني الفيزيائي: يا أمي لقد ألغينا مفردة «الأثير» بفراغ ٍ في فلك الاكتشافات, وإيغال العلم في سجف الفضاء!!..
هذا الكون الرباني العظيم منذ أبده الغيبي عنا, وحتى سرده المُغيب عنا ندور في ملكوته ذراتٍ كما الرمل..
نحار كيف نراه إن علونا في علبة صفيحية نقترف سجن أنفسنا فيها لساعات دون أن يرتابنا قلق بجهلنا!!..
الصبح خلاصٌ كما تضع الأمُّ جنينَها وتنسى مخاض آلامها..
يا للجسارة وهي تتعاظم بضعفها على عبء آلامها..
فقط ليكون جنينها في يديها كما ثمرة اللوز في لحظة اشتهاء!!..
الصبح تنبلج فيه حقائق لا يطويها ليلٌ, ولا تخفيها سُدُلٌ..
أرقاها عظمة الكون, وأدناها الإحساس في كينونة هذا البشر, الطير, القطة, النملة,
وكل ما يدب, ويتجه مع حاجته, وموسمه..
في هذا الزمهرير البارد حدَّ الجمود, النملةُ وقد اختفت بعد أن كدحت طويلا في حر الصيف, وسواد الليل, ولسع الحصى, والصفيح قدميها الرهيفتين لتعمِّر دارَها, وهي صديقتي مذ لثغة اللمحة في حس الإدراك بما حولي..
رافقتني همس القلم في الليل, وعراكه مع جلبة الناس في النهار,
فكانت جزءا فارضًا في مخيلة أفكاري..
الصبح مدرسة,
من يغفو عنه يخسر الوعي بالحقائق,
وحصيلة بهجة الخلاص..
وفرحة الميلاد!!...