د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** كان الحوار مع صديقٍ سكنه اليأس فاغتمَّ واهتم ورأى الحياة بؤسًا والأحياء بأسًا ولا مُقام فيها وبينهم لفقيرٍ وغفير ؛ «تُؤخذ غِلابًا» وتمتد يبابًا، ولا سلوى إن عدنا للتأريخ كما لا أفق إن استشرفنا الغد.
** ينقل المتشائمون الصورةَ القاتمة فيُحيون منافذ التفاؤل كما يخلقون ممن يختلف معهم ذوي رؤىً تتجاوزُ الإنشائيين ونقف على أنفاقهم فتبدو آفاقُنا، ونخشى منهم والحق أن نخشى من تواريهم؛ فليس أجملَ من واقعيتهم ولو بالغت، كما لا أسوأَ من أخيلة المنتفعين الذين يعكسون أحوالًا متبدلة؛ « فإن أُعطُوا رضُوا وإن مُنعوا سخطوا «.
** لم تجئ جدلية صاحبنا لتملأ فراغًا بل لتُعبر عن اتجاه سائدٍ لدى الشباب؛ المكوِّن الأبرز في تركيبتنا السكانية، ومتى سكنهم الخوفُ والحيف واعتمروا عدساتهم السوداء فالقضية لا تتصل بالأفراد ولا بالندرة بل بالأمة والكثرة، وأيقن صاحبكم أنه أمام مفكرٍ فتركه يسترسل كما يقوده ذهنه وكيفما تتناثر استدعاءاته فأضاف:
** يتنافر الأضداد في الحياة ويلتقون على أرفف المكتبات إذا كانوا من ذوي التآليف، كما يتجاور الجميع بعد الوفاة، وحين تنتهي إشراقات الدنيا تعتم الشمس فلا يرى أحدٌ أحدًا، ويختفي الهمس فلا يحسد صغيرٌ كبيرًا، وتتلاشى الادعاءات فلا يُذل موسرٌ معسرًا، وتتيه مساحات الندم وتضيق مسافات الاعتذار ويواجه المرءُ مسيرته خلوًا من اللقب والنشب ومن التصدر كما التستر.
** لا نفكر بالموت إلا عند المرض، ولا نضعف إلا حين الهرم، ونظن أن الدنيا لا تخفر وأهلها لا يغدرون، وهي لا تغفر وناسُها لا يُؤمَنون، والأحظُّ من وعى قدرها فلم يزدْ فيها ما ليس منها أو لها،والأنبهُ من أيقن أن البشر مصالحُ متبدلة وصداقات غائمة واتقاءُ شرٍ أكثرَ من اجتلاب خير.
** أكد صاحبنا أن أجمل بيتٍ عامي وعاه هو للقاضي محمد العبدالله:
« إلا افْكرت بالدنيا تكدرْ ليَ الصافي .. تعذرْ زماني ما حصلْ صاحبٍ صافي»؛
فهل تُراه قرأ المتنبي:
« تحلو الحياة لجاهلٍ أو غافلٍ .. عما مضى منها وما يُتوقعُ»
وتمنى أن نُوجه الشباب لتهدئة التفكير وزيادة جرعات الغفلة والتغفيل والتجاهل والتجهيل.
** إن شئتم رصد هواجس أجيال ما قبل الثلاثين من العمر فأَصغوا إليهم جيدًا وارصدوا رسائلهم وكتاباتهم وتغريداتهم وأحلامهم وما يبوحون به وما يكتمونه وما يريدونه وما يتَّقونه وما يؤمنون به وما يخالفونه، وانطلقوا معهم في فضاءاتهم دون أن تخذلوهم أو تُحبطوهم أو تقزموهم، واقرؤوا جيدًا إشاراتهم فقد تخطَّوا تنميط التربية ولن ينتموا لإملاءات التربة.
** تجاوز صاحبكم ما أتاحه له محاوره فاستأذنه ووعده أن يمنح هواجسه وقتًا تعويضيًا فقد يجد في أساساتها عاملًا تقويضيًا أو هكذا تمنى.
** التفكير مشكلة وحل.