فهد بن جليد
في التسعينيات الميلادية تقريباً كان هناك (عامل عربي) هو الوحيد القادر على حل مُعضلة الأدوية الناقصة والبديلة للزبون في إحدى أشهر الصيدليات في ذلك الوقت بالرياض, ولربما دلَّك على مكان واسم صيدلية أخرى من المتوقع أن تجد بها الدواء المطلوب وبدائله الأرخص, العم علي لم يدرس الصيدلة ولا الطب, وهو بالكاد يقرأ وأتقن الإنجليزية بالخبرة, فالزبائن يبحثون عنه لأنَّ لديه هذه الملَكة التي حصل عليها بعد أن قضى نصف عمره (حارساً لمستودع أدوية) قبل انتقاله لنقاط البيع المباشرة, من المؤكد أنَّ هذه العشوائية انتهت الآن بانتهاء عصر الإعلان عن الصيدليات المناوبة عقب نشرة الأخبار في التلفزيون مساء كل يوم, والتي كانت صيدلية (العم علي) من بينها.
ولكن الذي لم ينتهِ حتماً حتى الآن هو تلك العشوائية التي تضرب سوق المستلزمات والأجهزة والمعدات الطبية لدينا, الذي استوطنته وعشعشت فيه مُنذ عشرات السنين عمالة (غير مُتخصصة) تتعامل مع الأمر من الناحية التجارية البحتة, بمعيار الربح والخسارة فقط -مؤهلهم الوحيد هو ذات مؤهل العم علي في الزمن الجميل- وهذا أمر غير مقبول ونحن نعيش ونؤمن بالتخصص وندعو له في كل المجلات, فهؤلاء يتعاملون مع أجهزة طبية رديفة ومُساعدة لأهل وذوي المريض داخل منازلهم, ممَّا يعني أنَّ عملهم مرتبط بشكل مباشر بحاجة الأفراد لبعض المعدات والأجهزة الطبية لمرضاهم -شفاهم الله- دون أن يكون لدى الأهل الخبرة الكافية والتجربة السابقة, للتفريق بين أنواع الأجهزة والمعدات وأسعارها, ويحتاجون هنا إلى ضمير وذمَّة البائع والمسوِّق.
تجوَّلتُ على مدى يومين في شارع الضباب بالرياض الذي تنتشر على جنباته أشهر تلك المحلات, ورأيت العجاب من ناحية طريقة عرض وتخزين الأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية, والمحزن أنَّ مجال بيع هذه الأجهزة الطبية الحساسة وصيانتها يتم بشكل عشوائي وبدائي على أيدي عمالة منتشرة أمام بعض تلك المحلات وبداخلها حتى للمعاقين الذين يصلونها لصيانة كراسيهم المتحرِّكة, في وقت يفترض فيه أن تتم عمليات البيع والصيانة وفق معايير أكثر ضبطاً وجودة, بعيداً عن احتمالية استغلال جهل وحاجة الناس لبعض أنواع المعدات الطبية, بل إنَّ غير واحد أكد لي أنَّ السوق مليء بالمعدات والأجهزة المستعملة أو الرجيع التي يتم بيعها على أنَّها جديدة من بعض أصحاب النفوس الضعيفة والطامعين في الكسب المادي بعيداً عن معاني الإنسانية، وحاجة المريض وذويه.
وعلى دروب الخير نلتقي.