عبدالوهاب الفايز
زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الأربعاء الماضي، لمقر محطة تحلية جدة للمياه، لتقديم شكره وتقديره للمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة (على ما حققه أبناء الوطن العاملون في محطات تحلية المياه بالمملكة من زيادة في الإنتاج من 3.5 ملايين متر مكعب إلى 5 ملايين متر مكعب خلال العامين الماضيين دون زيادة في التكاليف، بل عبر رفع كفاءة التشغيل)، هذه الزيارة من سمو ولي العهد نرجو ان تكون القدوة للوزراء وقيادات القطاع العام لتأسيس مبدأ إداري يعزز في (ثقافة العمل) روح الشكر والثناء للعاملين المتميزين.
لدى القطاع العام (قصص نجاح) متعددة في مختلف المجالات والتخصصات، وهذه القصص غائبة لان جهود الإعلام والتواصل في القطاع العام يذهب اغلبها لتغطية الأنشطة والمناسبات المرتبطة في قيادات الجهاز الحكومي، او تتوسع التغطية في المناسبات الرسمية، بالذات حفل الافتتاح، ثم بعد ذلك تختفي المتابعات الاعلامية ويبقى خلف الستار مشاهد الإنجاز الذي يصنعه المكافحون خلف رزقهم.
الانجاز الذي تحقق في تحلية المياه عرفناه بعد زيارة سمو ولي العهد، وهو إنجاز يستحق الاحتفاء لخطورة الوضع المائي لدينا، فالطلب على المياه المحلاة يرتفع مع تراجع مخزون المياه الجوفية، ومازلنا مستمرين في ضعف ادارة ونقل وتسويق المياه، مع غياب المواصفات والاشتراطات الفعالة في البناء، لذا خفض تكلفة توليد المياه المحلاة ونقلها هو إنجاز يخدم الاستقرار الاجتماعي، ويستحق التقدير منا جميعاً.
لماذا نحتاج إبراز قصص النجاح التي تتم في القطاع العام؟
نحتاجها حتى نعزز معنويات الآلاف من العاملين الذين يضعون مصالحهم وحاجاتهم الخاصة جانباً، ثم ينغمسون في الإنجاز لخدمة الأهداف الوطنية العليا، ولخدمة مشروع التنمية، ولخدمة أهداف الجهاز الذي يعملون به. هؤلاء هم الثروة الحقيقية التي يجب الحفاظ عليها وتنميتها، فالعاملون في القطاع العام سوف نظل نعتمد على مساهماتهم في تقديم الخدمات والمنافع لفترة طويلة.
ضعف الأداء الإعلامي والتواصلي في العديد من الاجهزة الحكومية مشكلة كبرى برزت مع إطلاق رؤية المملكة، فالناس لم تعرف بعد ما هي المكتسبات التي سوف تحققها على المديين القريب والبعيد، فلم تصلهم الصورة للآثار الايجابية التي سوف تترتب على مخرجات العديد من المبادرات والمشاريع والاصلاحات الحكومية، ولما سوف يترتب على رفع استعداد الاجهزة الحكومية لكي تعمل بروح جديدة تقوم على المشاركة الحقيقية لقيادة التطوير والتحديث لعمل الحكومة.
حجم الموارد المالية التي تنفق على الجهد الاعلامي كبيرة، ولكن هذا الإنفاق يذهب أغلبه، كما أشرت، الى الأنشطة الرسمية وتنتهي التغطيات الاعلامية بانتهاء المناسبة، وتبقى في الظل الإنجازات التي تهم الناس وتهم القائمين والعاملين عليها، وهكذا تنمو الصورة السلبية لأداء القطاع العام، وكأن ملايين البشر الذين يذهبون لأعمالهم لا ينتجون النافع من العمل، «لو خليت بلت»!.
ثمة مبادرة تستحق التقدير وهي انشاء مركز الاتصال الحكومي الذي دشنه وزير الاعلام أمس الاول. يجب ان نراه خطوة إيجابية لتعزيز روح المشاركة والتعاون بين الاجهزة الحكومية في مجال إنتاج المحتوى الاعلامي، فلدينا الموارد البشرية ولدينا الاعتمادات المالية السخية، ولدينا البنية الاساسية لتقديم رسالة إعلامية تحتفي بالمنجز الوطني. هذا المركز لعله يكون الآلية الجديدة التي تقدم قصص النجاح التي تتحقق في الأجهزة الحكومية، ونرجو ألاَّ يكون مركزاً لإعادة إنتاج الأخبار التقليدية التي تعودنا عليها!.
وثمة فرصة للاجهزة الحكومية عليها اقتناصها، (من باب مصائب....!). كما نعرف، تراجع الإيرادات المالية المتسارع أثر على اداء وسائل الاعلام التقليدية، فالتراجع هذا أدى الى واقع جديد، فإنتاج الأخبار لم يعد وظيفة أساسية مع انخفاض اعداد العاملين على تحرير الأخبار وجمعها، وأيضا بعد انتشار التواصل الاجتماعي وسرعة نشر الأخبار وتداولها بين الناس، فقد أصبح الانسان عابر الطريق منتجا للخبر ومعه احيانا ما وراء القصة الخبرية.
الاجهزة الحكومية عبر اداء الاعلام الذكي المبادر أمامها فرصة لاستثمار هذا التراجع في اداء وسائل الاعلام. أمامها فرصة لإنتاج الأخبار والقصص الإخبارية وتقديمها في ساحة الاعلام المتاح، سواء في التقليدي او الحديث بالذات التركيز على تقديم قصص النجاح الحقيقية المدفونة التي نحتاجها لرفع الروح المعنوية للعاملين، ولتقديمهم كنموذج للمواطن الصالح، وأيضا لرفع ثقتنا بإمكانات بلادنا وقدرتنا على تقديم المنجزات التي نحتاجها لاستمرار تنمية بلادنا.
كما ذكرت في مقال الأسبوع الماضي حول ضرورة تبني وتشجيع تدوين قصص النجاح والفشل والمشاكل التي نواجهها في أداء القطاع العام لتكون (حالات دراسية) نوثقها للاستفادة منها، أيضاً علينا تبني مبدأ المكافأة المادية والمعنوية للمتميزين في أدائهم وأفكارهم لتعظيم خدمات القطاع العام، بالذات في القطاعات الحيوية للاستقرار الاجتماعي.
زيارة سمو ولي العهد أطلقت فكرة المشروع الوطني، وواجبنا جميعاً تبنيه ودعمه.