أ.د.عثمان بن صالح العامر
أول سؤال يمكن أن يطرح في هذا المقام، ترى: هل نحن بحاجة إلى تأسيس مثل هذا المركز، ولماذا في هذا الوقت بالذات، ولماذا وزارة التعليم على وجه الخصوص هي من تحتضن هذا الصرح التوعوي الجديد، وهي التي لديها أعباء ثقال تنوء بحملها الجبال؟
شخصياً أعتقد أن تبني وزارة التعليم بناء المنظومة الفكرية لدى النشء والشباب من أهم المشاريع التي أعُلن عنها من قبل معالي وزير التعليم الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد العيسى، في ظل رؤية المملكة 2030 ، وعلى ضوء مشروع التحول الوطني 2020، وإذا كان هذا الأمر مهماً في كل وقت - أعني الوعي الفكري - فهو اليوم أكثر إلحاحاً وأشد حاجة منذ قبل، لأسباب عديدة ذكر طرفاً منها سعادة المشرف العام على المركز الدكتور مرزوق الرويس في مقابلته المتميزة مع جريدة عكاظ الخميس الماضي 8 جمادى الأولى 1439هـ ، وسأعرج على بقيتها في مقال قادم بإذن الله، ووزارة التعليم - في نظري - هي المرشح الأقوى لتحقيق وعي فكري واقعي استشرافي متزن ومنضبط ومنفتح ومؤصل.
لقد كنّا ردحاً من الزمن بين من لا يعترف بالفكر «مصطلحاً ومضموناً»، وآخر يعد نفسه المبشر بما قاله المثقف فلان وكتبه الفيلسوف علان، الناقل الرسمي للفكر الوافد أياً كان «قومياً عروبياً، إسلامياً سياسياً، عالمياً أممياً»، وثالث ركب موجة هذا الفكر أو ذاك جراء صوته المرتفع وتسويقه الواسع، ورابع حاول أن يقف في وجه هذه الأفكار اجتهاداً شخصياً منه فأصاب تارة وأخطأ تارة، وخامس... وسادس... وسابع... ، وجاء اليوم الذي ينبري فيه مركز مختص لمراجعة وتقويم ما هو في ساحتنا الوطنية من أطروحات فكرية وأيديولوجيات عقدية ومذاهب سياسية واقتصادية ومن ثم إعادة النظر في مضامين الهوية الفكرية للشخصية السعودية بناء على منطلقاتنا الشرعية وحسب رؤيتنا المستقبلية، مع الاعتزاز والافتخار بكل الجهود الوطنية التي سبقت في مضمار تحقيق الأمن الفكري والحصانة العقدية.
إذا اتفقنا أن الفكر هو: «ما يدور في الذهن (العقل) لفهم وإدراك وتقييم ما تدركه الحواس»، وهو يسبق القول والفعل كما هو معلوم، فإن الشيء المهم أولاً أن نعتني بهذا العقل، نشخص الأمراض الفكرية لدينا بدقة وأمانة ومصداقية بعيداً عن الإقصاء والأحادية والنظرة المثالية المجردة، نعيد النظر في أمر تدريس بعض العلوم العقلية ذات المنحى الفلسفي، نتعرف على الآخر (فكرياً وحضارياً) بشكل واعٍ ونظرة شمولية من خلال عمل موسوعي متخصص يعيد قراءة الفكر كل الفكر بعين العدل والإنصاف.
ليس هذا هو نهاية مطاف حديثي عن هذا الموضوع الشيق الشائك الذي ننتظر أن يكون المركز قبلة عشاقه وموطن رواده وملتقى منظريه، ولكن هو الخطوة الأولى وسيتبعها بإذن الله خطوات، أعني «مقالات»، لقناعتي التامة بأهمية المشاركة الوطنية من قبل الكل ممن لديهم رؤية فكرية ويؤمنون برسالتهم الوطنية ومسئوليتهم الشخصية في المشاركة الحقيقية لتحقيق وعي فكري مجتمعي متميز من خلال هذا المركز الواعد.
بصدق كلمات الشكر تتقازم إزاء مثل هذه المشاريع المفصلية ذات البعد الإستراتيجي في تكوين «هوية الشخصية السعودية في عصر العولمة الصعب»، فشكراً لمن فكر وقدر، دعم ويسر، خطط واستبشر. دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود والسلام.