د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
تخضع الحروب والصراعات بين الدول، حسب قوانين الأمم المتحدة، لعدة قواعد تتعلق الأولى منها بالدوافع التي تجعل الحرب مشروعة، والثانية بضوابط شن الحرب، والأخيرة تتعلق بتسويات ما بعد الحرب. وهي حسب القانون الدولي كالتالي: Jus ad bellum؛ Jus in bello، وJus post bellum. وكلمة Jus باللاتينية تعني قانون أو مشروع، وbellum تعني حرب.
ولو نظرنا لعاصفة الحزم أو حرب إعادة الشرعية في اليمن التي دخل التحالف العربي طرفًا فيها، من منظار قوانين الحروب المشروعة فلا أحد يستطيع التشكيك في مشروعية هذه الحرب. فميثاق هيئة الأمم المتحدة يجيز للدول منفردة أو متحالفة شن حرب للدفاع عن النفس ضد تهديدات دولة أو دول أخرى. ويجيز للسلطة الشرعية في أي دولة الاستعانة بمن تريد عند تهديد شرعيتها أو تقييد ممارستها لصلاحياتها. ولا شك أن انقلاب ميلشيات الحوثي على السلطة في اليمن بشكل غير شرعي يسوغ للحكومة الشرعية في اليمن بأن تستعين بمن تريد لاستعادة شرعيتها. كما أن سلطة ميلشيا الحوثي في اليمن شرعت من اليوم الأول بالتهديد بقصف السعودية، وأعلنت فيما بعد صراحة أنها بهدف غزو أراضٍ سعودية، وشكلت جزءًا من تحالف معادٍ دمر بشكل تام دول بأكملها كالعراق وسوريا. فالتهديد حقيقي والتدخل مشروع ولا مراء في ذلك، وعاصفة الحزم أكثر مشروعية من حرب أمريكا في أفغانستان، أو بريطانيا في الفولكلاند، أو فرنسا في مالي إلخ.
كما أن المملكة والتحالف التزما من حيث الأسلوب التي تدخلت فيه قواتهما إلى جانب الشرعية، أي ما يتعلق بالـ Jus in bello، بمواثيق شن الحروب الدولية كافة بشكل مثالي من حيث: تجنب الأبرياء، وتجنب المدن المأهولة بالسكان والأماكن الأثرية والدينية. والتزموا بالقوانين كافة الأخرى كحسن معاملة الأسرى، والحفاظ على ممتلكات وأرض اليمن. بل أن المملكة قدمت خدمات غير معهودة ولا مسبوقة في الحروب مثل أعمال الإغاثة الإنسانية، قدمتها وهي تعرف أنها قد تتعرض للنهب. وحرصت على حماية الاقتصاد اليمني من الانهيار بدعمه مباشرة، واحتضنت مليوني ونصف يمني على أراضيها ولم تتعرض لهم بأية مضايقة. فعاصمة الحزم تعد حرب استثنائية في جوانبها الإنسانية؛ ولو قارناها بالدمار التي أحدثته أمريكا في حرب أفغانستان أو العراق، أو ما ارتكبته إيران وروسيا من مجازر في سوريا ضد المدن والمدنيين لأدركنا حرص المملكة على سلامة اليمن واليمنيين. وعادة ما تقاس عدالة الحرب عمليًا بمواقف أطراف أخرى منها، ونحن نلحظ يومًا بعد الأخر انضمام فصائل جديدة وقطاعات مختلفة جديدة من الشعب اليمني للشرعية.
وتبقي الأمور المرتبطة بتسويات ما بعد الحملة العسكرية أي أمور الـJus post bellum. وتتعلق بتسويات ما بعد الحرب، وحل الخلافات لما قبل وأثناء وما بعد الحرب. وهذه أمور في غاية الأهمية لضمان عدم عودة الفوضى أو الاحتراب مرة أخرى مما يعيد القضية، لا سمح الله، إلى المربع الأول. والعارفون بالأمور يدركون أنه فيما يتعلق باليمن، نتيجة لتركيبتها القبلية والاجتماعية وتدني مستوى التعليم والوعي السياسي فيها، فإن تسوية الخلافات أصعب من إذكاء الصراعات. وسبق ورفض سياسيون كثر ومنهم عبدالرحمن الأرياني تولى إدارة الحكومة في اليمن لعدم استعداد القبائل للتخلي عن سلطتها بعد الثورة، وقد اغتالت القبائل الرئيس إبراهيم الحمدي لمحاولته الحد من نفوذها. ورغم قيام الجمهورية في اليمن إلا أن الحكم الجمهوري كان في عمقه دائمًا قبليًا. وميلشيات الحوثي اليوم تستغل العامل القبلي بمهارة أطالت بقائها في اليمن.
ولذا يتوجب علينا اليوم وإثناء استمرار الحملة العسكرية أن نستعد وندرس بعناية تسويات ما بعد انتهاء سيطرة حكم الميلشيات الحوثية في اليمن بشكل يضمن عدم تكرر هذه الصراعات. وهذا لا يأتي بالدعم المادي المباشر فقط. فالتجارب السابقة أثبتت أنه كلما ازداد الدعم المادي المباشر تعذر الوصول لتسويات لأن بعض أجنحة الصراع في اليمن أهدافها مادية بحتة. كما أن المليشيات الحوثية، على الأقل عناصريًا وقبليًا، وطائفيًا ستبقى مكونًا من المشهد السياسي في اليمن. وبما أن لصراع اليوم بعد طائفي استند عليه الحوثيين فلا بد أيضًا أخذ هذه البعد بالاعتبار في أي تسوية مستقبلية. فهذه الحملة، رغم عدالتها وحسن إدارتها، شابها ما شابها من الخيانات وتقديم المصالح الخاصة. ويضاف لما سبق رغبة الانتقام والتي هي مكون قبلي أصيل يضاف للعوائق العملية أمام أية تسوية مستقبلية للصراع في اليمن. والمجتمع الدولي برمته سيراقب تسويات ما بعد الحرب وسيقيمها بعدالتها ومدى ابتعادها عما قد يراه مصالح أو أطماع إقليمية. فعلينا ألا نستهين بتسويات ما بعد التحرير لأنها ستكون صراع مرير ربما أصعب من التحرير.