إن في حياة الرِّجال, كل الرِّجال, قديماً وحديثاً مواقف, وفي سني عمرهم وقفات, بعضها ينمّ عن الشرف والشجاعة والذكاء, وبعضها يدل على السخافة وضعف النفس والبطالة, وبعض آخر فيه طرافة ولطافة, وفي جزء كبير منها نرى العجائب والغرائب.
وإليك أخي القارئ بعضاً من ذلك, من أجل أخذ العظة والعبرة, وصولاً للدروس المستفادة في حياتنا المعاصرة.
1 - ضرب الحجّاج بن يوسف رجلاً من أهل العراق بالسياط فأُتي إليه، فقيل: أتدري مَنْ جلدت؟ قال: لا. قيل له: لم يُدرك رجل بالعراق أبين ورعاً منه ولا أصلح!. قال: فبعث في طلبه, فلما جاءه قال: اعف عني واستغفر لي, فإني فعلتُ ما فعلت بجهالة. فقال: والله ما فرغتَ من ضربي حتى عفوتُ عنك! قال الحجاج: ولم ذلك وأنت تعلم أني ظالم لك؟ قال: كرهت أن يقف مثلي مع مثلك يوم القيامة!!
2- وصّى رجل آخر وأراد سفراً فقال: آثر بعملك معادك، ولا تدع لشهوتك رشادك، وليكن عقلك وزيرك الذي يدعو إلى الهدى، ويعصمك من الرّدى, ألجم هواك عن الفواحش وأطلقه في المكارم, فإنك تبرُّ بذلك سلفك, وتشيد شرفك.
3- جاء رجل إلى حاتم الأصم فقال: ما تشتهي؟ قال: أشتهي عافية يوم إلى الليل. فقيل له: أليست الأيام كلها عافية؟ فقال: إن عافية يوم أن لا أعصي الله فيه
4- قام رجل إلى معاوية فقال له: سألتك بالرَّحم التي بيني وبينك. فقال: أمن قريش أنت؟ قال: لا. قال: أفمن سائر العرب؟ قال: لا. قال: فأية رحم بيني وبينك؟ قال رحم آدم. قال: رحم مجفوة, والله لأكونن أول من وصلها. ثم قضى حاجته!!
5- قال الأخفش: كتب رجلٌ من أهل البصرة إلى أخ له: أما بعد, فإنه يُسهِّل عليّ طلب الحاجة أمران فيك, وأمران لي, وأمر من قبل الله, وبه تمامها. فأما اللذان فيك: فاجتهادك في النّجح ومبالغتك في الاعتذار.
وأما اللذان لي: فإني لا أضيِّق عليك بعذري, ولا أصون عنك شكري. وأما الذي من قبل الله عز وجل: فإيماني بأن كل مقدور كائن، والسلام.
6- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أربعة لا أقدر على مكافأتهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسَّع لي في مجلسي، ورجل أغبرت قدماه في حاجتي، وأما الرابع فلا يكافئه إلا الله. قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل بدار فبات مفكراً ليلته بمن ينزل به، ثم رآني أهلاً لحاجته فأنزلها بي!!
7- قال الحسن بن علي رضي الله عنه لرجل: كيف طلبك الدنيا؟ قال شديد!!. قال فها أدركت منها ما تريد؟ قال: لا. قال: فهذه التي تطلبها لم تدرك منها ما تريد, فكيف بالتي لم تطلبها؟ يعني الآخرة.
8- جاء رجلٌ إلى يونس بن عبيد رحمه الله فقال له: أنت يونس بن عبيد؟ قال: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يُمتني حتى رأيتك. قال: وما حاجتك؟
قال: أريد أن أسألك مسألة؟ قال: سل عمّا بدا لك. قال: أخبرني, ما غاية الورع؟ قال: محاسبة النفس مع كل طرفه، والخروج من كل شبهة. قال: فأخبرني ما غاية الزهد؟ قال: ترك الراحة!!.
9- حدّث رجل فقال: حججت مرّة, فبينا أنا أطوف إذا أعرابي يدعو, فشغلني عن دعائي، فإذا هو يقول:
اللهم إني أسألك قليلاً من كثير, مع فقري إليه القديم وغناك عنه العظيم. اللهم إن عفوك عن ذنبي وصفحك عن جرمي وسترك على قبيح عملي, وعما كان من خطئي وزللي، أطمعني في أن أسألك ما لا أستوجبه منك. اللهُم أذقتني من رحمتك، وأريتني من قدرتك، وعرّفتني من إجابتك، ما صرتُ أدعوك آمناً، وأسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً, بل مدلاً عليك بما قصدت فيه إليك، فإن أبطأ عني ألححت بجهلي عليك, ولعل إبطاءه عني خير لي لعلمك بعاقبة الأمور. فلم أر مولى كريماً أصبر على عبد لئيم منك عليّ, لأنك تدعوني فأولّي، وتتحبّب إليّ فأبغض إليك نفسي، وتُقدم إليّ فلا أقبل منك، كأن لي الطول عليك، فلا يمنعك ذلك من الرحمة والإحسان إلي بجودك وكرمك، فارحمني بتفضُّلك وفضل إحسانك.
قال: فخرجت من الطواف, فالتمست صحيفة ودواة فكتبت الدعاء!!.
10- قيل إن رجلاً أتى إلى بعض الحكماء فشكا إليه صديقه، وعزم على قطعه والانتقام منه. وقال له الحكيم: أتفهم ما أقول لك, فأكلمك أم يكفيك ما عندك في فورة الغضب التي تشغلك عني؟ فقال: إني لما تقول لواعٍ. فقال: أسرورك بمودته كان أطول أم عمُّك بذنبه؟ قال: بل سروري. قال: أفحسناته عندك أكثر أم سيئاته؟ قال: بل حسناته. قال: فاصفح بصالح أيامك معه عن ذنبه, وهب لسرورك به جرمه، واطرح مؤونة الغضب والانتقام للودِّ الذي كان بينكما من سالف الأيام.
11- دخل رجلٌ على سالم بن قتيبة الباهلي يكلمه في حاجة يطلبها منه، فوضع نصل سيفه على إصبع سالم واتكأ عليه!! وجعل يكلمه في حاجته وقد أدماه، وسالمٌ صابر، فلما فرغ الرجل من حاجته وخرج، دعا سالم بمنديل، فمسح الدم عن إصبعه وغسله، فقيل له: هلاّ نحيت رجلك أصلحك الله، أو أمرته برفع سيفه عنك. فقال: خشيت أن أقطعه عن حاجته!!
12- قال رجل لأحدهم: العلم والمال يؤخذان من البطن!! قال: وكيف ذلك؟ قال: أمسك عن الشهوات يكثر مالك وأقلل من الأكل يكثر علمك!!
13- نظر رجل من الحذاق إلى رجل من جهال الناس عليه ثياب حسنة ويتكلم ويخطئ، فقال له: تكلّم على قدر ثيابك أو البس على قدر كلامك!!
14- قال رجل لبنيه: يا بنيّ، أصلحوا ألسنتكم فإن الرجل تنوبه النائبة يحب أن يتحمل لها، فيستعير من أخيه دابته ومن صديقه ثوبه، ولا يجد من يعيره لسانه!!
15- قيل: ينبغي للرجل أن يكون ضحوكاً إذا ولج, سكوتاً إذا خرج، آكلاً ما وجد, غير سائل إذا فقد.
16- قيل: إن شر الرجال قليل الغيرة، سريع الطيرة، شديد العتاب، كثير الحساب، قد أفل نخره وأدبر دفره, وهجمت عيناه، واضطربت رجلاه، يفيق سريعاً, وينطق وجيعاً، يصبح خليًّا، ويمسي رحيًّا، إن جاع جزع، وإن شبع جشع!!