جعل الله سبحانه وتعالى الأمن مقرونًا بالإيمان.. فقال تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (82) الأنعام.. إن الدنيا تجتمع للعبد في ثلاثة أشياء... منها نعمة الأمن، فإن حاز هذه الثلاثة فقد حاز الدنيا بما فيها، فقال صلى الله عليه وسلم (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) (حسنه الألباني في صحيح الجامع).
قولُ أحدُ الحُكماء: «الأمنُ أهنأُ عيش، والعدلُ أقوَى جيشٍ».
ويقول آخر: «الأمنُ يُذهِبُ وحشةَ الوحدة، كما أن الخوفَ يُذهِبُ أُنسَ الجماعة».
وآخر يقول: «الأمنُ مع الفقر خيرٌ من الخوف مع الغِنَى»
إن نعمة الأمن والاستقرار من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده، ومطلب ضروري من ضروريات الإنسان، ولذلك كان من مقاصد الشرائع السماوية المحافظة على الضروريات الخمس وهي: حفظ النفس، والدين، والعقل، والعرض، والمال، فإذا حفظ للإنسان هذه الضروريات فقد حصل على أسمى هدف وأهنأ عيش وسعادة، وأعظم غاية يرجوها الإنسان في هذه الحياة الدنيا وهو الأمن بجميع صوره، ومن فضل الله سبحانه أن هيأ لنا حفظ أمننا، وجعل ذلك مرهونًا ومرتبطًا بالإيمان، وجعل بينهما ارتباطًا قويًا وتلازمًا ضروريًا فلا أمن بدون تطبيق الإسلام، ولا يتحقق تمام الإسلام وكماله، والعمل بشعائره، وإقامة حدوده إلا بالأمن، ولا تقوم مصالح العباد إلا بالأمن. ومن أجل استتباب الأمن في المجتمعات جاءت الشريعة الغراء بالعقوبات الصارمة، وحفظت للأمة في قضاياها ما يتعلق بالحق العام والحق الخاص.
يعد الأمن من أهم مطالب الحياة، بل لا تتحقق أهم مطالبها إلا بتوفره؛ حيث يعد ضرورة لكل جهد بشري، فردي أو جماعي؛ لتحقيق المصالح العامة للجميع.
والتاريخ الإنساني يدل على أن تحقيق الأمن للأفراد والجماعات الإنسانية، كان هدفًا وغاية بعيدة المنال، وفي فترات طويلة من التاريخ، وأن الأمن لم ينبسط على الناس في المعمورة إلا خلال فترات قليل
مما يبعَثُ على استِتبابِ الأمن: العنايةُ بالعلاقات الاجتِماعيَّة، وتقويةُ أواصِر المودَّة والرَّحمة والأُخُوَّة الإيمانيَّة بشتَّى صُورها المعنويَّة والحسيَّة،- بقولِه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
يقول في الحديث المُتَّفق على صحَّته صلى الله عليه وسلم: «مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثَلِ الجسَد الواحِد، إذا اشتَكَى منه عضوٌ تداعَى له سائِرُ الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى».
ومن صُور هذه العلاقات: أن ينبُذ أبناءُ المُجتمع جميعَ أسباب التفرُّق والتحزُّب، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
فعلى أبناء المُجتمعات الإسلامية أن يتَّقُوا الله - جل وعلا - في أنفُسهم، أن يتَّقُوا الله في أمَّتهم، أن يتَّقُوا الله في دينهم، فيكونوا يدًا واحدةً مُتعاوِنين على البرِّ والتقوى، يكونون جماعةً واحدة تنتَهِجُ القرآن الكريم دُستورًا، والسنَّةَ النبويَّةَ نِبراسًا، ومنهَج سلَف هذه الأمة مُقوِّمًا وحاكِمًا. فالدنيا لا تُغنِي عن الآخرة شيئًا.
فبدُون ذلك يقعُ الفشل في كل بناءٍ، وتعصِفُ بالمُجتمعات الشُّرورُ والكوارِث، وتحُلُّبه المثُلات والمصائِب، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
إن على الأمة الإسلاميِّة والمجتمعات الإنسانية اليوم أن يتَّجِهوا للاتِّحاد البنَّاء والتعاوُن المُثمِر الذي يُحقّقُ كل خيرٍ، وتقومُ به مصالِحُ المُجتمعات، وتقِفُ عنده حُدود الأطماع من الماكِرين، فذلك من مقاصِد الدين، وذلك ركيزةٌ من ركائِز الإصلاح والتقويم.. سائلين الله للجميع الهداية والتوفيق.