«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
يسألني البعض من الأحبة من المتابعين لحسابي في تويتر عما أغرد به من لوحات بعض الفنانين العالميين المستشرقين، والذين رسموا جوانب مختلفة من الحياة في العالمين العربي والاسلامي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد، كيف استطاع هؤلاء رسم هذا الكم الهائل من اللوحات، وعلى الاخص النساء والفتيات وحتى جوانب من حياة الأسرة.
ومنذ أن أتاحت لي هوايتي للرسم وكذلك الظروف مشاهدة بعض الاعمال الفنية التي كانت تنشر في المجلات الامريكية والتي كنت احصل على بعض من اعدادها القديمة من والدي، والذي كان يعمل في شركة النفط قبل ان يترك العمل فيها، كنت في العاشرة من العمر، وكنت ادهش عند مشاهدتي لوحة رسمها فنان عن جانب من الحياة في مصر أو الجزائر أو المغرب أو حتى تركيا والهند، في زمن لم تتوفر لديهم الكاميرات ليسجلوا فيها مشاهداتهم المختلفة.
فكيف تحقق لهم ما أبدعوه من لوحات تفخر المتاحف العالمية والخاصة باقتنائها؟.. وكان من حسن حظي أن زار مرسمي في بداية التسعينات الهجرية البرفسور والفنان العالمي «يو يو يانغ» وكان في مهمة عمل للمملكة استدعته وزارة الزراعة أيامها لدراسة امكانية اقامة حدائق صينية في بعض مناطق المملكة.
وعندما حل ضيفا على هيئة الري والصرف بالاحساء طلب من المسئولين فيها ان يزور احد مراسم الفنانين في المنطقة، فجاء لمرسمي برفقة نائب مدير الهيئة الاستاذ ابراهيم الصويغ رحمه الله. وخلال اقامته في الاحساء تردد على مرسمي اكثر من مرة، وضمن حديثي معه سألته مما كان يدور في ذهني من تساؤلات مختلفة عن كيفية رسم الفنانين المستشرقين لوحاتهم، بحكم أنه درس في اوربا وعلى علم بخفايا الفنون واسرارها.
ورغم لغتي الانجليزية المتواضعة الا انني فهمت منه ان جميع الفنانين الذين زاروا الشرق والمغرب العربي واسبانيا وحتى مناطق اخرى في العالم كانوا يقومون باعداد رسوم اولية «اسكتشات», وبعضهم كان يسجل مقاسات الابواب والنوافذ والاقواس بكل دقة، إضافة الى قيامهم بشراء العديد من الاواني وقطع السجاد والملابس المختلفة، سواء كانت للرجال أو النساء، حتى ان بعضهم يحمل معه ما يستطيع حمله من ابواب أو اعمال خشبية مطعمة بالصدف، وبعد عودتهم إلى بلادهم يقومون بعمل ديكور كامل للمشهد الذي يريدون رسمه في مراسمهم، ويستأجرون فتيات شبيهات بالفتيات العربيات كالغجريات أو اليونانيات أو الايطاليات أو حتى عربيات مهاجرات، ويطلبون منهن لبس الملابس العربية أو الشرقية كما شاهدوها، ثم يجلسون أمامهم بالساعات وحتى الأيام لاستكمال اللوحات، كما يحدث في تنفيذ الافلام السينمائية عندما يقوم مهندسو الديكور بإعداد ديكورات المشاهد المختلفة لتصويرها.
وهناك فئة ثانية، وهي التي تملك الكثير من المال، فهم عادة ما يستأجرون بيوتاً في المدن العربية ويحولونها إلى مراسم يتم فيها تنفيذ لوحاتهم، ومن اجل هذا تجدهم لا يبخلون عن دفع المال للموديل سواء كان رجلاً أم فتاة؛ لرسمه أو رسمها.
وفئة ثالثة تتمتع بقدرة خرافية في الرسم المباشر، فهم يحملون كل ما يحتاجونه للرسم المباشر، كالحوامل والالوان، ويرسمون لوحاتهم مباشرة، وعادة تكون أعمالاً من الطبيعة والمشاهد في الاسواق، واللوحات عادة تكون لوحات صغيرة من اجل سرعة انجازها.
وفئة رابعة هداها الله للإسلام وطاب لها العيش في البلاد العربية، أمثال الفنان ناصر الدين دينيه الفنان الفرنسي المستشرق، الذي سكن في بلدة ابوسعادة الجزائرية ورسم الحياة فيها كما لم يرسمها احد غيره.