د. محمد عبدالله العوين
لن يتسع مجال هذه الزاوية لحديث مفصل عن المحطات الكبرى التي غيّرت معالم الخارطة السياسية العربية وقلبت أوضاع العرب في القرن العشرين الميلادي الرابع عشر الهجري؛ لذا سأكتفي بالإشارة السريعة إلى أبرز نكبات القرن السابق التي بدأت باتفاقية سايكس- بيكو في 16 مايو 1916م على تقاسم النفوذ على المنطقة العربية بعد هزيمة الدولة العثمانية المتحالفة مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ثم وعد وزير الخارجية البريطاني بلفور اليهود بمنحهم فلسطين وطنا قوميا لهم في 2 نوفمبر 1917م وإنشاء جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا 1928م والعدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) على بورسعيد بعد قرار عبدالناصر تأميم شركة قناة السويس 1956م ثم أعقبتها نكسة 1967م بتدمير إسرائيل الطيران المصري واحتلال سيناء وقطاع غزة والجولان والضفة الغربية، ثم ثورة الخميني الكهنوتية 1979م.
أما القرن الواحد والعشرون الخامس عشر الهجري فبدأ بحركة جهيمان التكفيرية التي احتلت الحرم المكي الشريف فجر الأول من محرم 1400هـ الموافق 20 نوفمبر 1979م ومنعت الصلاة فيه ثلاث جمع إلى أن تم تطهيره وإعدام أولئك البغاة، لكن مسلسل الأحداث المأساوية يتواصل فتشتعل الحرب العراقية الإيرانية بعد أن أعلن الخميني «تصدير الثورة» وأظهر نواياه التوسعية في المنطقة العربية، وبعد أن توقفت الحرب بانتصار العراق بعد ثماني سنين التف صدام حسين على الكويت انتقاما مما ادعاه سرقة بترول العراق إبان الحرب فاحتلها صبيحة ما عرف بـ«يوم الخميس الأسود» 11 محرم 1411هـ، الموافق 2 أغسطس 1990م ليبدأ فصل أليم من تاريخ الأمة العربية منذ اعتلاء الخميني السلطة في إيران الذي جر إلى الحرب مع العراق ثم الحرب على العراق ثم احتلاله وتسليمه إلى إيران، وهيأت تلك الأحداث المؤلمة لنشوء وتكون الجماعات المتطرفة التي تذرعت بدعاوى الجهاد كالقاعدة التي وصلت بعد تحولات فكرية إلى أعلى فضاءات التطرف المتمثلة في داعش.
وآخر حلقات مسلسل تداعيات الثورة الخمينية وتحالفها مع إسرائيل والغرب بإطلاق ما سمي زورا بـ«الربيع العربي» وبدأ من تونس يوم الجمعة 11 محرم 1432هـ، 17 ديسمبر 2010م بالصفعة الشهيرة لمراقبة التجارة على خد الشاب التونسي العاطل محمد البوعزيزي وتفعيل ضجر الشعوب واحتقاناتها المختلفة من الفقر والبطالة وتصعيد عمل مؤسسات المجتمع المدني التي ترفع شعارات الحقوق والحريات وجماعة الإخوان المسلمين التي ترفع شعار الإسلام هو الحل وتتضامن مع أية حركة أو تيار يمكن أن يقدمها خطوة إلى الأمام للهيمنة على السلطة في أي بلد؛ سواء كانت ليبرالية أو يسارية أو شيعية أو غربية أو إسرائيلية؛ كما حدث في مصر وتونس واليمن، وكما تشتغل عليه الآن الجماعة في الكويت والأردن والمغرب كمثال.
وقد اشتعلت هذه الثورات الهادفة إلى إسقاط الأنظمة السياسية وإدخال العالم العربي في دوامة من الفوضى المؤدية إلى الضعف والتفتيت وتمدد لهيمنة الإيرانية والإسرائيلية على المنطقة العربية، وما زالت لم تنطفئ بعد في سوريا وليبيا واليمن.