د. خيرية السقاف
صحيح أن منازلنا قد اعتاد أفرادها على وجود «الخادمات», اتكل فيها الصغير قبل الكبير على طلب كأس الماء يأتيه إلى حيث مرقده, وصحيح بأن بعضنا بالغ فجعل لكل مهمة يدا عاملة, واتسعت البيوت لحجراتهم الخاصة, ولحجرات السائقين حيث فعل الرجال المثل, فلم يعودوا يتحملون مسؤوليات بيوتهم, وزوجاتهم, وأطفالهم..
وصحيح أن غالبية الأفراد يندمجون معهم, ويتبادلون الخبرات بينهم, حتى أن كثيرا من الصغار يتحدثون بألسنة مثلومة جريا وراء تقليدهن لإمضائهم الوقت الأطول معهن في البيت وخارجه, وصحيح أن في هذا الاعتماد التام عليهم في خدمة أفراد البيت, وإعداد الملبس والطعام, والعناية بالنظافة والضيافة والخدمة العامة فيه ما يعين ربات البيوت المريضات, أو العاجزات, أو ذوات الأحمال, أو الأشغال, وكذلك أرباب البيوت المعوزين لمن يساعدهم في القيادة ومسؤولياتها إلا أن هذا الاتكال ضرب بكل فروعه, وأشواكه, وامتداه في جذور الأسر, وألقى بهيكله على روح الهمة والنشاط والقدرة الذاتية, والاستقلال الخاص, بل المشاعر الفردية حين تعلق الصغار بمن ترافقهم الوقت الأكثر, والحاجة الأكبر, فذهبوا يسبغون الإحساس بهن أمهات لهم, وكثيرا ما يتشبث الأطفال في إهاب «خادماتهم» ويشيحون عن أمهاتهم..
صحيح أن هذا السلوك المجتمعي العام قد سادت معه أمراض نفسية عديدة لحقت بالصغار، وعادات سلوكية مماثلة قد اعتادت عليها النساء وكذلك الرجال, وغدت بعض البيوت أوكارا
للمشادات, أو للغفلة, أو للأمراض أقلها التواكل, والكسل, والإهمال, والانصراف عن الواجبات الرئيسة لأفراد الأسرة..
وصحيح أن هناك بعض التجاوزات من الطرفين, وتعرضهما لنوع من الظلم تأخرا عن حق من قبل أرباب العمل, أو اعتداء بجرم من قبل العاملين» سائقين وخادمات» إلا أن في هذا الأمر ما فيه من حسنات وسيئات, فيه من الفوائد ما يخنقها واقع الاستقدام الآن, وفيه ما خلفه سلوك الاعتماد الكلي عليه داخل البيوت..
ولأن ملف الاستقدام من جوانبه العديدة : نظاما, وواقعا, وسبيلا , وآثارا يحتاج إلى دراسات مستفيضة ليس بعد اتخذت كما ينبغي, إلا أن ما يتم الآن من قبل مكاتب الاستقدام من جور فاحش في أسعارها يتطلب تدخلا سريعا من قبل الجهات المختصة لتقنين الأسعار وفق ميزانية دخل الأفراد, وضبطها دون الإيغال في فحش سقفها, بالنظر إلى ما كانت عليه من قبل حيث لا تناسبا يعقل بينهما فالمريض المحتاج من ذوي الدخل المتوسط, والمرأة المثقلة بعمل وأفراد أسرة يزيدون عن أصابع الكف, والمضطرة التي لا تقوى على خدمة منزلها, والأسر الممتدة, وكل ذي حاجة بعيدا الرفاه أيكون في قدراتهم هذه المبالغ التي تفوق دخلهم لكي تجور مكاتب الاستخدام في رفع سقف مقابلها المادي لتأمين العمالة المنزلية كما هو جار؟ أو هي مجرد تجارة يضاعف فيها التاجر ربحه ما شاء؟..
صحيح إن الحاجة ماسة لإعادة النظر في الأمر..
كما هي لدراسة مستفيضة للقضية كلها.
كما يتطلع القراء الذين سألوني الكتابة في الموضوع.