عمر إبراهيم الرشيد
محزن رحيل إنسان دخل البيوت السعودية والخليجية عبر الشاشة الفضية وخشبة المسرح، مجسداً شخصيته التي عرف بها (أبو مسامح) كشيخ نجدي يتعامل مع تقلبات الحياة وأفراحها وأتراحها بروح الثقافة والبيئة المحلية، إما بقالب كوميدي أو بآخر تراجيدي واقعي. مثل الفنان محمد المفرح مع جيله المرحوم بإذن الله محمد العلي، عبد العزيز الحماد رحمه الله، علي الهويريني، علي إبراهيم، عبد العزيز الهزاع، علي المدفع، عبد الرحمن الخطيب وغيرهم، مثلوا كوادر مسرحية وفنية كانت شعلة نشاط في بدايات المسرح السعودي وكذلك التلفزيون والإذاعة منذ منتصف الستينيات الميلادية، وبعضهم ما زال يعطي دون ضجيج وبالأخص في الإذاعة وموسمياً عبر الشاشة الفضية. لن يكون الحزن أشد منه لدى أسرته وذويه بطبيعة الحال، إنما محزن أيضاً مرور تلك السنين الطوال أو ما يزيد على الثلاثين عاماً من الزمان حين غاب المسرح السعودي وتباعاً تراجع الإنتاج الدرامي التلفزيوني المعتبر، لأن المسرح أبو الفنون كما هو معروف، إلا من نتاج موسمي انحصر في رمضان الكريم عبر (طاش) وغيرها من إنتاج موسمي محدود أو ضعيف. وحين نتحدث عن هذا الغياب والجدب الفني والمسرحي فإن ذلك ينسحب على الفنان والمؤلف والمخرج وبقية الكادر، وهنا حديثنا عن محمد المفرج الذي سمعت منه قبل نحو عشرين عاماً شكوى مرة في مجلس الأستاذ فهد العريفي رحمه الله تعالى عن ضعف الدعم المعنوي والمادي للفنان. ولا تخفى نظرة التوجس للمسرح مع التغيرات المجتمعية والثقافية عقب حركة جهيمان (1979) وما تلاها من رواسب وتأثيرات طالت مجالات عديدة، وأثرت على طبيعة المجتمع السعودي ونشاطه العام.
لقد كتبت هنا من قبل عن الفنان المثقف علي الهويريني وطاقته المعطلة مثله مثل الراحل محمد المفرح وأنهم بهذه الثقافة الواسعة والقدرة والمعرفة المسرحية يمكن مع باقي الفنانين والكتاب والمخرجين لدينا إعادة المسرح السعودي إلى الحياة، بل التوهج محلياً وخليجياً وعربياً، وظني وأملي كذلك أننا في هذه المرحلة من التحول والتطوير والتغيير الإيجابي (2030) أن المسرح سوف يعود مجدداً بإذن الله، بالدعم الرسمي المرتقب للمجال الثقافي والإنساني والترفيهي. إنما يحز في النفس أن فناناً بقدر محمد المفرح رحمه الله تعالى، يرحل عن هذه الدنيا بعد غياب عن الساحة سنوات طويلة ومعاناة مع المرض ولله الأمر من قبل ومن بعد، دون أن يرى للمسرح عودة ودون مشاركات تلفزيونية ولو موسمية، أو تكريم في مهرجان أو غيره. لكنه الآن ليس بحاجة إلى أي من هذا، هو بحاجة إلى الدعاء له بالرحمة والمغفرة ودار خير من هذه الدار وهذا هو الفوز الكبير، رحم الله الفنان محمد المفرح وأسكنه الجنة وإياكم وموتى المسلمين إنه جواد كريم.