د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
أوضحنا في المقالة 2 عن الحملات الإعلامية والدعائية ضد المملكة بعض ما تضمنته تلك الحملات، وشرحنا بعضا من ادعاءاتها وافتراءاتها الباطلة، وسوف نلقي الضوء في المقالة 3 على كيفية التعامل مع هذه الحملات ومواجهتها.
يأتي دور الجامعات ومراكز البحوث وأجهزة الإعلام السعودية على رأس الجهات التي ينبغي لها أن تتصدّى للحملات الإعلامية المغرضة ضد المملكة، ولاشك أن مسؤولية هاتين المؤسستين الرائدتين في التصدي لهذه الحملات يشكل أهمية بالغة، خاصة إذا عرفنا أن الهدف الرئيسي لهذه الحملات الإعلامية، هو التأثير على الرأي العام الغربي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وتوجيه الرأي العام الغربي ضد المملكة، والتأثير على صُنّاع القرار السياسي في الغرب وتحريضهم ضد المملكة.
ونرى أن الأساتذة في الجامعات، ومنسوبي قطاع الصحافة والإعلام من الكتاب، وكتاب الرأي على وجه الخصوص، يستطيعون أن يقدّموا الكثير في مخاطبة الرأي العام الغربي، إذ يمكن لأساتذة الجامعات مع الإعلاميين البارزين إعداد وتنظيم برامج مشتركة، في إطار خُطط زمنية مدروسة، لفاعليات وأنشطة تتضمن عقد ندوات وحلقات نقاش وورش عمل، يُشارك فيها أساتذة وإعلاميون غربيون.
ذلك أن الكثيرين من أساتذة الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ليسوا راضين عن الحملات الإعلامية ضد المملكة، ومنهم من عبّر عن استيائه مما تضمنته من تجاوزات وادعاءات باطلة، وأن الكثيرين منهم يعارضون مواقف أجهزة الإعلام «الصفراء» في بلادهم، وسوف يرحبون بالتعاون مع أساتذة وإعلاميين سعوديين، من أجل مواجهة هذه المواقف، والتصدي لها.
يعمل العديد من هؤلاء الأساتذة والمفكّرين والباحثين والإعلاميين في مراكز دراسات وأبحاث على صلة قوية بأجهزة صنع القرار السياسي في البلاد الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى صلة بالمؤسسات والمراكز المشاركة في اتخاذ القرارات Think Tank في واشنطن ولندن وباريس وغيرها من العواصم الغربية الهامة، ما يُكسبُ العمل المشترك معهم فاعلية وتأثير، ويسهم في تعزيز موقف المملكة في مواجهة القوى التي تعارضها وتحاربها.
وإذا كانت هناك انتقادات يمكنُ أن يوجهها البعضُ إلى ضعف أجهزة الإعلام السعودي في الرد على هذه الحملات الإعلامية المُغرِضة، فإنه من الضروري هنا، أن نشيرَ إلى أهمية تشجيع مواقع التواصل الاجتماعي على القيام بمثل هذا الدور، أو - على الأقل - فتح المجال أمامها للمشاركة في تحمل جانب من المسؤولية في هذا الإطار، وذلك أن الإعلام الرسمي أو الحكومي أو «التقليدي» في أكثر دول العالم، لم يعد وحده في الساحة، ولم يعد ينفرد بـ»الخطاب» الذي يستهدف العقول، وبات ما يُعرَفُ بـ«الإعلام الجديد» شريكا معه في الخطاب.
ولعله من المصادفات الطيّبة أن الإعلام لم يعد رسميًا فقط، كما أنه لم يعد متوقفًا على صحف ومجلات بعينها، ولم يعد يقتصر على قنوات، مهما تعددت تظل محدودة، بل توسع ليشمل كل صاحب رأي أو كلمة، مهما كانت صفته، بواسطة منصات «الإعلام الجديد، ما جعل الجميع مشاركًا في مسؤولية التفاعل مع قضايا الوطن. ويستطيع الإعلام الجديد في المملكة (والذي يتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي social media، خاصة الفيسبوك facebook وتويتر twitter، إضافة إلى المدوّنات blogs، والمواقع الإلكترونية العديدة المنتشرة على الشبكة العنكبوتية، وبمساحة الإنترنت الواسعة باتساع خريطة العالم) يستطيع أن يخاطبَ هؤلاء الذين يتوجّهون بالعداء لسياسات المملكة، وأن يردّوا على أصحاب هذه الآراء، عبر تواصل تفاعلي يستطيع أن يقدم الكثير في مجال تصحيح المفاهيم، وتغيير الآراء، وتعديل الاتجاهات، وفق آليات الإعلام الجديد ووسائله، وعبرَ قوانينه وقواعده التي تسمح للشباب خصوصا، وأغلبيتهم أطراف فاعلة في التواصل مع نظرائهم، بالحوار المؤثّر والقادر على تغيير الآراء، وتصويب الأفكار والاتجاهات.
ويرى ناصر البراق في مقالة له في مجلة الفيصل، أنه «بوسع الكل الإسهام فيها، بما يصنع رأيًا أو موقفًا، وأن المسؤولية الكبرى تظل على عاتق المثقفين وصناع الرأي المؤثرين في تأطير تلك الوسائل، ودفعها نحو قنوات التأثير والقضايا الكبرى، عوضًا عن الهويات الصغرى، وتفاصيل التفاصيل الموغلة في الذاتية».
ولا يمكنُ للباحث المنصف والموضوعي والأمين أن يفهمَ «طبيعة» الهجمات الإعلامية الشرسة على المملكة، ومحاولات تشويه صورتها أمام الرأي العام العربي والإسلامي، والرأي العام العالمي، من دون فهم «وجهي العُملة» وقراءتهما على حقيقتهما. فإذا كنا قد عرَضنا للحملات الغربية، فإن فهم جوانب «الصورة» كاملة يستدعي الإحاطة بكافة تفاصيلها، ونعني بالوجه الآخر منها الموقف الإيراني، والحملات الإعلامية الإيرانية «السوداء» التي تستهدف «العقلَ» العربي، والرأي العام السعودي خاصة، في محاولة من الجانب الإيراني لخلط الحقائق، وإخفاء النزعات الاستعمارية التاريخية لدى الإيرانيين، وإخفاء النوايا الحقيقية، والأهداف التي تسعى إلى مد النفوذ الإيراني إلى حدود العالم العربي، وخلق بؤر توتّر للدول العربية المؤثرة في الإقليم، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.
وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى تصريحات وزير الاستخبارات السابق ومستشار الرئيس روحاني علي يونسي، الذي قال في تصريح له خلال منتدى «الهوية الإيرانية» في مارس 2015 « إن إيران اليوم أصبحت امبراطورية، كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا. اليوم كما في الماضي، سندافع عن كل شعوب المنطقة لأننا نعتبرها جزءًا من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي، والتكفير، والإلحاد، والعثمانيين الجدد، والوهابيين والغرب والصهيونية «.
ولاشك أن هذه الأباطيل التي يروج لها مسؤولون وأجهزة إيرانية، بما تنطوي عليه من استفزاز، وما تتضمنه من لغة عدائية وهجومية، تستدعي استنفارا واسعا من أساتذة الجامعات السعودية والعاملين في أجهزة الإعلام السعودية، والمراكز البحثية الرسمية والأهلية، للرد على ما تتضمنه الحملات الإيرانية من افتراءات وتهديدات، بلغت حدّ التحرش بالحدود الدولية، والاجتراء على المعاهدات والمواثيق الدولية، بل والاستهتار بالقانون الدولي.
ولا يختلف اثنان على أن الجهود الدبلوماسية السعودية تحتاج إلى جهود رسمية وأهلية إعلامية فاعلة، تساندها، وتعزّزها، وتدعم أداءها، وتوضح الحقائق للرأي العام العالمي، الذي يجب أن يعرف حقيقة الافتراءات الإيرانية، فيما يتعلق بالمواجهات التي تفتعلها خارج حدودها، وعلى تخوم الدول العربية، ولابد أن نشير إلى أنه من السهل الرد على التحركات الاستفزازية الإيرانية في المنطقة، من خلال الإعلام وعبر القنوات الدبلوماسية المعروفة، ليتذكر العالمُ جرائمها وسجلها الإرهابي العابر للقارات، الذي عانت بسببه دولا كثيرة. ولا ننكر في هذا الصدد، بأن هناك جهودا تبذل، ولكنها ليست كافية، خاصة ما يتعلق منها بالمشاركة الأهلية في هذا العمل، لتكون جهودنا في هذا التوجه خاصة، جهودًا تمثل عملاً رسميًا أهليًا مشتركًا.
ولعله من المهم هنا أن نلفتَ إلى أن الأمر لا يقتصر على الحضور الإعلامي فقط، بل إن الدوائر الدبلوماسية تستطيع أن تتحرك في الإقليم، عبر تحالفات سياسية ودبلوماسية قادرة على أن تحاصرَ المزاعم الإيرانية، ومحاولات إيران النفاذ داخل الدول العربية، ووضع رؤوس جسور لها في دول المنطقة. وإضافة إلى ذلك، يمكنُ الاهتمام بتفعيل التعاون مع مراكز الدراسات والأبحاث، وجماعات المصالح وجماعات الضغط «اللوبيات»، ومؤسسات المجتمع المدني القادرة على التأثير في الرأي العام في كل دولة، بحضور سعودي أهلي فاعل، في المراكز البحثية والمؤسسات الإعلامية المؤثرة، ومن خلال باحثين ومتخصصين سعوديين.
ولعلي أختم بتعليق حول الحملات العدائية ضد المملكة، جاء على لسان الدكتور أنور قرقاش وزير الشئون الخارجية الإماراتي، وذلك على موقعه في تويتر، والذي قال فيه أن «هناك حملة مسعورة على السعودية الشقيقة في الإعلام الإقليمي والأوروبي والدولي، وان أصوات الحملة والملفات التي تتناولها متعددة، حملة تتجاوز الانتقاد المغرض الذي تعودنا سماعه، وتأخذ أبعادا أخطر وأعمق، وأن التوقيت مريب، متهما ايران بتصدر الحملة بصوت طائفي، يسعى إلى زعامة إيرانية على العرب، مؤكدا على صد من يسعى إلى تقويض دور الرياض» .
** **
- أستاذ العلاقات والمنظمات المشارك السابق بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن