عبد الرحمن بن محمد السدحان
* ظافر بن حمسَان.. نسمة جنوبية فوّاحة بعطرِ التراث وتاريخِه وأصالتِه، عشقَ هذا الرجل تراثَ بلادِه منذ فجر شبابه، فهَام بذلك التراث تحدّياً وإبداعاً!
* * *
* له في عسير حكاية جميلة تتوشَّحُ باسمه، تستحق التدوين بمدَادِ الحب والوفاء، تقع على طريق الرياض بمدينة خميس مشيط، تتمثّل في القرية التراثية الشهيرة التي بناها بجهده وعَرَقه وبوح إبداعه حجَراً حجَراً حتى استقامت صرحاً شامخاً يؤمّه السائح والزائر وعابر السبيل!
* * *
* روَى لي الأخ ظافر ذات مرة كيف بدأ هذا المشروع التراثي الجميل، فقال إنه كان يجوبُ بسيارتِه الخاصةِ الجبالَ والِقَفَار القريبةَ من مقرّه والنائيةَ عنه مصْطحباً القادرَ من أبنائِه بحثاً عن صنفٍ معيّن من الحجَارة، ثم ينْقُلها في (صندوق) سيارته إلى حيث مقر (مشروع) قريته، ثم يعيدُ تشكيلَ الحجَارةِ وتقْويمَها على نحوٍ يلائمُ نسَقَ القريةِ والبيئة التراثية، التي يحلُم بها هيبةً وجمَالاً، وقد تولَّى بنفسِه حِراكَ البناء، يعاونُه في ذلك أبناؤُه وبعضُ العمَالة المتاحة.
* * *
* وهكذا، أقام قريةً شعبيةً يتحدث عنها الركبان، وكلُّ ما فيها من أثَاثٍ وزادٍ وزينةٍ ينطقُ بتُراثِ المنطقة وعبَقِ ماضيها، وقد أدركَتْ من الصَّيت عبْر السنين قدراً جعلها منتجعاً سياحياً فريداً يقصده المواطنون والوافِدُون والزائرُون، كما حظيَ بدَعْمِ وتأييدِ قياداتِ المنطقةِ ونُخَبِها السياسية والأدبيةِ والاجتماعيةِ.
* * *
* وفي الجنادرية تلك الحسناء الصحراوية الرابضة في شرق الرياض، كان لابن حمسان موعد مع التراث الجميل يشغل جزءاً من قرية عسير التراثية، أسْهَم ابن حمسان في تصميمِ كثير من مرافقها، ليُوجِدَ لجنُوبِ هذا الكيان الخالدِ بصْمةً من الفخْرِ تشدُّ القلوبَ وتُؤْنِسُ الأبصَار.
* * *
* وليس كذلك فحسب، بل استطاع ظافر بتوفيق من الله ثم ببأسٍ لا يعرفُ اليأسَ أنْ يقتحمَ عتمةَ المجهول، فإذا الناسُ يعرفونُه ويتحدَّثُون عن إبداعِه.. وغَزا بعشْقِه للتراث حواضرَ أمميةً عديدةً، من بينها بيروت وباريس ولندن وواشنطن، عبر المعارض والمهرجانات التي كانت تتَحدَّثُ عن المملكة، ماضياً وحاضراً، وكلُّ من زار (قرية بن حمسان) واستمع إلى حديثِ صَاحبِها المشْحونِ بالعشقِ لبلاده، أسَرَه ما شاهدَه وسمِعَه، وأفْعم إعجاباً بإرادة ذلك الشاب والآلية التي يترجمُ بها عشقهَ إلى رموزٍ مشْرقة بالجمَال التراثي!
* * *
وبعد..،
* فلا يفوتني في ختام هذا الحديث أن أشيد بمبادرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل - حفظه الله - إبّان ولايته أميراً لمنطقة عسير، حين زفّ بنفسه ظافر بن حمسان إلى جائزة المفتاحة عبر مهرجانها المهيب عام 1423هـ أمام حشد غفير من أبناء وبنات المنطقة، وكانت وقفة تكريم ووفاء رائعة من سموه لتكريم هذا المواطن العاشق لتراث وطنه، الذي خدمه في أكثر من موقع داخل المملكة وخارجها، وكان وما برح (سفيراً) لتراثها وما يضمّه من شَواهدِ الإبداع.
* * *
* وفي عسير مرتعِ أحلامهِ، قدَّم للسياحةِ جُهْداً ثميناً، حتى باتَتْ قريتُه جزْءاً من (أجندة) السائحِ القادمِ إليها، مواطناً كان أو مقيماً أو زائراً عابراً، عربياً كان أو أجنبياً. وهذا الحديث يلهمني أمنية أسوقُها مخلصاً إلى (رائد) السياحة الوطنية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار - حفظه الله - لمنح هذا الرمز الوطني لفتة تقدير.