«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
لم تعد قصة الدجاجة التي تدر على صاحبها الذهب حكاية أسطورية يرويها الأجداد والأحفاد لتسليتهم وقضاء أوقات فراغهم، وذلك لأن التطور العلمي والتقني سريع الخطى في عصرنا جعل الكثير من الاختراعات والأجهزة والأفكار التي كانت مجرد خيال سجله الأدباء في قصص الخيال العلمي وجسده الفنانون في لوحاتهم ورسوماتهم تصبح حقيقة ملموسة على أرض الواقع، وبعد أن كانت الدجاجة مادة غذائية شهية يتفنن البيت السعودي في طبخها مثل غيره من بيوت العالم أصبحت الدجاجة اليوم بمنزلة مادة أولية تدخل مخلفاتها وخاصة ريشها في الصناعة لإنتاج مختلف المواد المفيدة مثل الأدوية ومواد التجميل والشامبوهات والمشروبات المغذية للأطفال.. إلخ..
وهكذا أصبحت الدجاجة بكل محتوياتها مفيدة ولا يُرمى منها أي جزء من أجزائها، وفي الماضي البعيد عندما كان يُعاب على الواحد حمله للدجاجة أو اللحم في السوق بات اليوم العديد من رجال الأعمال في بلادنا يتفاخرون بامتلاكهم مزارع تربية الدجاج وبافتتاحهم العديد من الملاحم حتى أن الظاهرة المعاشة في مدننا هذه الأيام انتشار المحلات والأسواق التي تبيع الدجاج الطازج أو المطبوخ.... فلا عجب بعد ذلك أن يلغي أحدهم نشاطه في بيع الكتب والمواد القرطاسية ويحوِّله إلى بيع الدجاج الطازج.. لأنه اكتشف حقيقة أسطورة الدجاجة التي تدر ذهبًا.. ولو أنه اكتشاف متأخر.. المهم أنه (ركض) وراء الموجة..! كما ركضت بعض السيدات الفاضلات إلى العودة لتربية الدجاج خصوصًا في القرى وبعض الأحياء البسيطة للاستفادة مما ينتجه الدجاج من بيض يسهم في توفير غذاء لأسرهم وحتى يوفر لهم دخلاً لا بأس به في حالة بيعه.. وما زالت الأسواق الشعبية في الأحساء تشهد بعض السيدات وهن يجلسن القرفصاء لبيع ما لديهن من بيض وديوك وفراخ محلية أنها تعوضهم.. وتوفر لهم لقمة عيش شريفة وتسلحهم في مواجهة تحديات الحياة ووحش الغلاء الذي زحف على كل شيء في هذه الحياة. وقبل أيام وبعد أن انتهيت - بفضل الله - من أداء ركن العمرة شعرت بالجوع مثل المئات من المعتمرين والمعتمرات الذين وقفوا طوابير في انتظار الحصول على بعض من المأكولات والأطعمة في العشرات من المحلات المنتشرة حول الحرم.
وكانت نسبة كبيرة من المحلات التي تقدم أنواعاً مختلفة من المأكولات تعتمد على الدجاج ولأشهر العلامات التجارية العالمية وحتى السعوديه.
تناولت ما طلبته من همبرغر «الدجاج» وبطاطس مغلية وكأس عصير وجلست مع من جلس أتناول الساندويش دكة رخامية، وكان إلى جواري أحد المعتمرين من دولة مغربية عندما قال لمن يرافقه: صدقني يا جلالي لم أذق في حياتي أشهى من هذا «الهمبرغر» شهي ولذيذ بالزاف. فأجابه الجلالي، وهو يشرب عصيره: صدقت، لا تنسى فأنت في هذه الأرض الطيبة المباركة كل ما فيها مبارك. وأضاف: ألم تشعر بروعة الماء في «صنابير» المياه في الفندق، لقد قمت بالشرب منه فوجدته ماءً طيبًا، وبعدها لم اشتر ماء الزجاجات البلاستيكية. عندها التفت إليَّ الجلالي وقال: وأنت رأيك ياحاج؟ قلت: لو قلت رأي ربما تقول يبالغ لأني من هذه الأرض الطيبة، فأنا وبتواضع مواطن سعودي وقدمت مثلكما لأداء ركن العمرة. وأضفت: وأنا أجول بعيني وأنا أشاهد الآلاف من المعتمرين والزوار وهم يفترشون الساحة الرخامية أمام البوابات العملاقة والشامخة للحرم المكي الشريف.. إن هذه الأرض مباركة كما قلت يا أخي جلالي وكل ما تراه من أعمال ومشاريع وتوسعات وخدمات هي من أجلكم ضيوف بيت الله الحرام. والوطن وقيادته ومواطنوه لم يبخلوا بشيء من أجل أن تكونوا بخير في وطن الخير.. لذلك شعرتما بأن الطعام طيب وشهي، وهذا بفضل بركة الله كما قلت. شكراً لك..