د.ثريا العريض
في كثير من أنحاء العالم النامي لا يثق الناس بإعلامهم الرسمي. وقبل إعلان تطبيق مبدأ «كائنا من كان» وتفاصيل تنفيذه على أرض الواقع ظلت الثقة بمحتوى إعلامنا الداخلي شبه معدومة. وحتى اليوم يسود علاقة التصديق والثقة بأي إعلام بعض الشك مبنيا على نظرية المؤامرة: «هناك جهات خارجية مستفيدة من تشويه صورتنا», و»هناك جهات داخلية مستفيدة من استغلال فجوات الإشراف على تنفيذ مشاريعنا الكبرى».
وأعترف أنني مثل غيري أشك أحيانا في بعض التقارير الرسمية منا ومن جهات خارجية حول الأحداث والتصنيفات المحلية والعالمية لخدمة مصالح خاصة. وكان يضايقني أثناء الدورة التي قضيتها في عضوية مجلس الشورى أن أقرأ تقريرا سنويا رسميا من مؤسسة ما يرفع رسميا للديوان ولا أجد مهنيا أن تفاصيله مقنعة. ويسعدني الآن والحمد لله أننا مع رؤية التحول نحاول أن نغير المعادلة والمعتاد السلبي ونسعى لبناء ثقافة اجتماعية تقوم على احترام المعلومة الموثوق بها, وبناء أواصر الثقة بالمصادر المحلية قبل الخارجية. وهذا يتطلب تطبيق مبدأ الشفافية, ومحاسبة التجاوزات وفرض المصداقية والمسؤولية. ويتطلب وعي المواطن وقدرة التمييز في ما يصله من معلومات.
وأجزم أن نقطة الضعف في تحقيق طموحاتنا لتأسيس واستدامة حال الاستقرار والانتماء الجمعي, هي هشاشة الأمن الفكري، والسبب عدم نجاحنا في بناء قدرة التفكير المنطقي المتجرد من الرغبوية فرديا ومجتمعيا. مؤسسة التعليم ما زالت تحاول تغيير الأعراف المتجذرة. وإعلامنا غير ماهر في ردم الفجوة وبناء الوعي العام للإيمان بالانتماء العام. ولذلك ما زلنا فرديا وفئويا وجمعيا, يمكن أن نستثار بتحريضات من جهات خارجية وبتسريبات مكذوبة تثبت المظلومية أو تجاوزات فرد ما في أي جهة بعينها سواء مسؤول أو مواطن أو غريب. والغاضبون معاول تهدم طموحات الوطن بصخب محبط. حمى الله الوطن من غضب الغاضبين المشحونين سواء بأسباب لها جذور من الاستحقاق أو لأنهم وقعوا في فخ المضللين.
غالبا للغضب الفردي مسبباته وجذوره الخاصة, وتعبيراته غير مقنعة وطاردة. لذا ولحماية النفس تتقنع تعبيراته بقضايا عامة ويكشف عنه اسفاف المفردات المستخدمة.
قلت إن الوفاء للوطن وقت الشدة يتطلب أن تحبه بصدق في أي موقع فيه وخارجه لتحميه في أزماته محتفظا باحترام الشيم وممارسة القيم.
وفي الأزمات المهددة للاستقرار لا يكفي أن تحفظ شعاراته ومفردات التغني به وتتقبل تناقضاته على مضض.
صحيح وبلا شك لم يعد الحاضر مناسبا لصخب شاعر القبيلة المنادي بسموها على غيرها بمنطلق: «فغض الطرف إنك من نميرٍ فلا كعباً بلغت ولا كلابا..», أو «إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً تخر له الجبابر ساجدينا». ولكنه أيضا ليس وقت البحث عن أي نقطة سوداء بعين غاضبة لتضخم بمجهر النقد ومكبرات الصوت تحت معرفات تويتر أو عالميا إن أتيحت الفرصة عبر منابر إعلامية خارجية. والأسوأ أن يكون ذلك بدعم مادي من جهات معادية مغرضة.
ثم خارج نطاق الازدواجية, المتابع لحواراتنا المجتمعية يجد أن غالبية من يصنفون أنفسهم مثقفين يؤطرون مواقفهم بالتركيز على قضايا بعينها متخيرة فرديا ومتقبلة فئويا, كي تلاقي التأييد والتصفيق اللازم المطلوب لمواصلة المتابعة والظهور والتنفيس وممارسة الخطابة المحملة على ظهر الوطنية.