محمد سليمان العنقري
تتركز حلول معالجة البطالة في هذه المرحلة بشكل أساسي على الإحلال الذي تقوده وزارة العمل من خلال عديد من المبادرات والبرامج منها التوطين الموجه إضافة إلى رفع تكلفة العامل الوافد لتحسين تنافسية المواطن في سوق العمل مع الوافدين ونجحت الوزارة في توظيف 121 ألف طالب عمل من المواطنين في عام 2017 وقد يبلغ حجم الوظائف التي يمكن أن يشغلها المواطنون بنظام الإحلال قرابة مليوني وظيفة قائمة من أصل نحو عشرة ملايين فرصة عمل يشغلها الوافدون إلا أن هذا العدد قد يكفي «نظرياً»فيما لو تم الإحلال على تلك الوظائف بنسبة 100 في المائة للعاطلين وكذلك للباحثين عن عمل ممن لديهم وظائف ويحاولون الحصول على فرص أفضل في الوقت الحالي مع إضافة القادمين الجدد لسوق العمل لعامين على أبعد تقدير والمقدر عددهم بحدود 300 ألف طالب عمل جديد سنوياً، لكن يبقى السؤال عن استيعاب الأعداد الطالبة للعمل مستقبلاً ففي عشرة أعوام سيكون عدد من يدخلون لسوق العمل قرابة ثلاثة ملايين مواطن.
وعند النظر لرؤية المملكة 2030 فإنها تستهدف توفير عدد كبير جدًا من فرص العمل يستوعب تلك الأعداد الضخمة القادمة للسوق من المواطنين وهو ما يتضح من أنه قد وضع هدف لمؤشر البطالة بأن يصل إلى 7 في المائة من 12.8 حالياً وهذا يعني بالضرورة توفير أكثر من أربعة ملايين فرصة عمل على الأقل وذلك من خلال خطط محددة تستهدف التوسع بالقطاعات الصناعية والخدمية كالتعدين والبتروكيماويات والصناعات التحويلية وكذلك السياحة والخدمات اللوجستية، وهو ما يعني أن الدور الحكومي من خلال الرؤية بتنشيط الاقتصاد لتوليد فرص عمل ضخمة بات واضحاً ومحدد الأهداف وبدأ العمل على تنفيذه من خلال المشاريع المعلنة والبرامج التي ستطلق هذا العام.
لكن حلول البطالة مستقبلاً حتى تكتمل لا بد أن يكون التعليم مواكباً لنوعية التأهيل العلمي والمهني المطلوب لتلبية حاجات القطاعات الاقتصادية عموماً والتي تستهدفها الرؤية بشكل أساسي خصوصاً، فأنظمة العمل تتطور والاتجاه لرفع تنافسية المواطن في سوق العمل تتحسن، لكن الدور الرئيس في التصدي للبطالة من وقتنا الحاضر لحسابات الأجيال المقبلة لسوق العمل لا بد أن تبدأ من الآن وذلك عبر خطط واضحة في كافة قطاعات التعليم فالمبادرات والاستراتيجيات المطلوبة في التعليم ضخمة ولا بد أن تسبق كافة الاستراتيجيات بالوزارات والهيئات التي تعمل على تنفيذ التحول الوطني لتحقيق الرؤية ليكون رأس المال البشري جاهزاً.
فحتى وقتنا الحاضر لم تتغير القوالب ولا القواعد التي على أساسها تقدم خدمة التعليم فهل تغيرت نسب القبول بالتخصصات العلمية والطبية والمالية في الجامعات ارتفاعاً لنسب تمثل أغلبية القبول الجامعي لتلبية الاحتياجات المستقبلية من تلك التخصصات على سبيل المثال، فنسبة الأطباء السعوديين تقارب 22 في المائة فقط من إجمالي الأطباء بالمملكة وأيضاً نسبة المهندسين السعوديين تقارب 30 إلى 35 في المائة من أصل نحو 200 ألف مهندس ومن ينتمون لتخصصات هندسية بدرجات علمية أقل من البكالوريوس ولا يختلف الأمر على تخصصات علمية ومالية مطلوبة للسوق حالياً ومستقبلاً فأين التحرك من قبل الجامعات لمواكبة التطورات الضخمة المستقبلية بالاقتصاد الوطني إضافة لغياب استراتيجية النهوض بالتعليم الفني والتقني من حيث أحداث معاهد وكليات تخدم التطور التقني القادم بالاقتصاد الوطني وكذلك رفع نسب القبول على تخصصات مطلوبة بسوق العمل حيث لا تتعدى نسب القبول حالياً 10 في المائة سنوياً من خريجي الثانوية العامة بينما في كثير من دول مجموعة العشرين تتعدى النسب 35 في المائة على أقل تقدير.
ملف البطالة يرتكز على العديد من الحلول فإذا كان ما يقدم حالياً سيعالج النسب الحالية بخفضها عن طريق الإحلال وأن الرؤية عالجت توليد الوظائف مستقبلاً برفع دور القطاع الخاص بالاقتصاد وبقطاعات مهمة ورئيسة وذات ميزة تنافسية محلياً ودولياً فإن دور وزارة التعليم يبقى هو الرئيس والأكبر من خلال كل القطاعات التي تتبع لها بالتعليم العام والعالي في معالجة البطالة المحتملة مستقبلاً من خلال تغيير في واقع التعليم وأساليب ونسب القبول ما فوق الثانوي حسب احتياجات الاقتصاد مع تغيير المناهج حسب ما هو مطلوب للتطور التقني والعلمي المستهدف لتأهيل الكوادر الوطنية لتكون هي المشغل والمبتكر والمستثمر الأول بالاقتصاد الوطني.