د. أحمد الفراج
في مدينة صغيرة تسمى بامبرق، بولاية جنوب كارولينا الأمريكية، وفي أحد أيام شهر يناير للعام 1972، ولدت نيماراتا راندوا، لعائلة هندية سيخية، هاجرت من البنجاب في الهند إلى العالم الجديد، ولم يكن الوالدان يتوقعان أبدا ما تخبئه الأيام لهذه المولودة الجديدة، التي شقت طريقها بقوة في أرض الأحلام، إذ بعد أن أكملت تعليمها، نجحت في قطاع الأعمال، حيث عملت في شركة تملكها والدتها، ثم ترشحت لمجلس النواب في ولاية جنوب كارولينا، وفازت بالمقعد، وخدمت عدة سنوات، بعد أن نجحت في إعادة انتخابها أكثر من مرة، ومع أن ذلك كان نجاحا كافيا لابنة المهاجر الهندي، إلا أن هناك قوى، استغلت جاذبيتها والكاريزما التي تتمتع بها وطموحها، فدفعت بها ودعمتها لتترشح لمنصب حاكم الولاية.
وبما أن ولاية جنوب كارولينا من ولايات الجنوب الزراعي الأمريكي، ولها تاريخ طويل بممارسة العنصرية، إذ كانت إحدى الولايات التي انفصلت عن الاتحاد الأمريكي، بعد قرار الرئيس التاريخي ابراهام لينكولن بإلغاء الرق (1860)، فقد كان متوقعا ألا تنجح ابنة المهاجر الهندي في كسب أصوات الناخبين. هذا، ولكن قيض لهذه الشابة دعم غير متوقع من حاكم الولاية، الذي تبناها وأقنعها بالترشح، ثم تبع ذلك دعم آخر، من مرشح الرئاسة حينها، الجمهوري ميت رومني، وغيرهم من الساسة، فتمكنت من الفوز بمنصب الحاكم، كثالث شخص من خارج العرق الأبيض، يفوز بمنصب الحاكم في ولاية جنوبية، وكثاني شخص من أصل هندي يفوز بمنصب حاكم، إذ سبقها بوبي جندل، حاكم ولاية لويزيانا الجنوبية أيضا، وقد نجحت في مهمتها، وأعيد انتخابها مرة أخرى، وكان لها إنجاز كبير سيذكره التاريخ.
بعد أن قتل شاب عنصري أبيض مجموعة من السود، وهم يتعبدون في كنيسة، في مدينة تشارلستون، بولاية جنوب كارولينا، نجحت الحاكمة الشابة نيماراتا راندوا، أو نيكي هيلي، في استصدار تشريع بإنزال العلم الكونفيدرالي من على مبنى عاصمة ولاية جنوب كارولينا، وهذا العلم يرمز للعنصرية، إذ كان علم دولة الولايات الكونفيدرالية المتحدة، وهي الولايات التي انفصلت عن الولايات المتحدة الأمريكية، وأسست دولة مستقلة، احتجاجا على تحرير السود من العبودية، في منتصف القرن قبل الماضي، وقد ساعد هذا الإنجاز في سطوع نجم هذه السياسية الشابة، التي اختارها ترمب لتكون مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، وقد تميزت فترتها في الأمم المتحدة بدفاعها المستميت عن إسرائيل، ووقوفها بقوة مع اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، واليوم، نشاهد نيكي هيلي ملء السمع والبصر لدى الأمريكيين وحول العالم، ما بين مؤيد لها من الأمريكيين، وكاره لمواقفها الحادة في دعم إسرائيل، فهل يا ترى هناك قوى دفعت، ولا تزال تدفع، بهذه الشابة بقوة، لتصبح أول سيدة ترأس الولايات المتحدة الأمريكية، أم أنها بالفعل عبقرية زمانها ؟!. سأترك الجواب لفطنتكم!.