تمر الامم بمنعطفات ثقافية كثيرة، والعرب شأنهم شأن البشرية كلها، تغمرهم هذه الاشكالات، وتعيد تشكيلهم وتقديمهم للانسانية وتاريخها المديد بقوالب جديدة ومختلفة.
بالأمس القريب نعت احد المفكرين العرب أهله بالظاهرة الصوتية ،كونهم يقولون ما لا يفعلون ،او لانهم مجرد فقاقيع كلامية ليس لها ثقل فى هذا الكون الفسيح.
اليوم وبعد عدة عقود يثبت الواقع ان العرب، عاربة ومستعربة ومستغربة، أصبحوا جميعا ينحون الى السكون كظاهرة تتغشاهم وتعيد تعريفهم وتقديمهم الى التاريخ والى الامم الاخرى!.
كان الصراخ طبيعة تميز العرب فى العقود السابقة، وكان الجميع يتبارى ايهم يبز قرينه صوتا وصدى ،واليوم خفت الصوت، وأصبح المشهد حالة من السكون والسكينة .
ترى ما لذي أفضى بنا الى هذا الوضع الغريب ؟،فجيناتنا الوراثية جبلت على الكلام الموزون المقفى، ومنابرنا تبكي اناسا كانت عقائرهم تصدح بالجميل الفارغ الذي يدغدغ مشاعر الجماهير فى كل وقت وحين ؟.
العرب اليوم ،يعيشون حالة من اللا تعريف اللا ظاهرة اللا حضور ،هم مجرد تاريخ مضى وربما لن يعود.
عرب الشمال كعادتهم يمقتون الجنوب ويحيلون اخطاء اجدادهم القدامى على هؤلاء المظلومين ،يقولون :-القدس باعها عرب الجنوب وجام الغضب يُصب عليهم فى مسيرات تُعيدك الى تلك الظاهرة شكلا وان كانت مضامين هذا الحراك ونتائجه المتوخاة تنحو الى السكون ! .
ان تجتزئ التاريخ وتزوره وتعيد تقديمه الى الأجيال المعاصرة كحقيقة مزيفة ، فذلك إرهاص المرحلة القادمة اللاوجود بعد هذه الزمن الذي نعيشه ،زمن التساكن والسكون .
في الأمثال الدارجة العامية ،كان يقال :(آفتي معرفتي ،راحتي ما اعرف شيء)، هذا المثل كان أساسا وبذرة ظاهرة السكون التى تتغشانا اليوم ،بدأها الانسان البسيط ،وتبنتها النخب العربية المثقفه خارطة طريق واسلوب حضور ،اليوم مشاريعنا الثقافية معطلة وأفكارنا متحجرة ،وما كان شائعا من أفكار ،نفاه الواقع وأقصته التجربة.
بلاد العرب اوطاني ،كانت ظاهرة وإطارا ،صادرتهما الهزائم والنكسات لتحل الاممية مكانها -حينا من الدهر- بكل ابعادها الجغرافية والديموغرافية ،فشلت الظاهرتين ،صوة وصورة ،وأصبحتا من ذكريات الماضي القريب ،ماض علا فيه الصوت كهامش وغاب المنجز والهوية كمتن يقاس ويعاش ويستذكر .
ويبقى السؤال مفتوحا على مصراعيه ،متى يشغل العرب حيزا فى هذا الفراغ الانساني ومتى يصبح لهم ثقل يعكس وجودهم وحظوظهم فى هذا العالم ؟ ام سنظل مجرد تاريخ كتب ولا يقرأ ،وان قرأ فهو للعظة والعبرة وربما لزيادة الغفلة .
فئة قليلة جدا تستذكره لتقول للآخرين من حين لآخر:- اولئك آبائي فجئني بمثلهم ،وانى للانسانية بمثلهم !.
** **
- علي المطوع