فيصل أكرم
(وعينُ الرّضا عن كلّ عيبٍ كليلةٌ
ولكنّ عينَ السُخطِ تبدي المساويا)
اختلف رواة ومؤرخو الأدب حول قائل البيت الشهير أعلاه، فبعضهم نسبه إلى عبد الله بن معاوية وبعضهم يؤكد أنه للإمام الشافعي، وفي العصور الحديثة نسبه مؤرخون إلى شعراء أتوا بعدهما بألف عام وأكثر.. وفي كل الأحوال أتصوّر أنّ البيت أخذ شكل جناحين يكمن بينهما رأسُ المعنى الأكثر أهميةً على الإطلاق!
كيف؟ أقول: لا أتصوّر عيناً تتصف بالرّضا كعين الصديق، أمّا عين السُخط فهي حتماً للعدو الحاقد ولا يليق أن يتصف بذلك ناقدٌ مثلاً حين يقرأ نصاً أدبياً بشيء من التحليل؛ وإن يكن، فهذا ليس بموضوعي الآن، غير أني اتخذته مدخلاً لمسألة أزعجتني بتكررها في الفترة الأخيرة، وأعلم تماماً أنها تنبع دائماً من حسن ظن وحسن نية ولكن.. عندما أكتبُ مقالة عن ديوان شعريّ، مثلاً، أو أي عمل أدبيّ وصلني عبر البريد – العاديّ أو الإلكتروني – بإرسال من المبدع نفسه.. المبدع الذي لم يكن معروفاً أبداً بالنسبة إليّ.. عن محدودية متابعتي أو عن محدودية انتشاره – سيّان؛ ورأيتُ في عمله ما يستحقّ الكتابة الإيجابية فكتبتُ، وأبديتُ إعجابي وقدّمتُ تحيتي لهذا المبدع الذي لا أعرفه شخصياً ولكنّ عمله وصلني وأقنعني بضرورة تسليط ما يمكن تسليطه من ضوء عليه بما أتيح لي من مساحة لزاويتي هنا، ثم أفاجأ بأنه – المبدع المعنيّ – يحتفي بمقالتي عنه واضعاً صفة (الصديق) لشخصي، ربما لتأكيد (المصداقية!).. وتلك برأيي أسقطت المصداقية الحقيقية للمقالة التي أكتبها عن مبدع لا أعرفه.
كلمة (لا أعرفه) بحد ذاتها شهادة تثبت الحياد والمصداقية، وأتذكّرها هنا بفخر عظيم حين كتب الرجل الاستثناء د. غازي القصيبي – رحمه الله – في التسعينيات الميلادية عن أوّل دواويني الشعرية (الخروج من المرآة) فقال مفتتحاً مقالته التي أعتزُّ بها ما حييت: (هذا شاعرٌ لا أعرفه، ولا أظنه يعرفني) وبدأ في التعبير عن إعجابه بالديوان حتى قال يخاطبني معلقاً على عبارة من إحدى قصائد الديوان: (وأحسبك لخّصت حياتي كلها بهذه العبارة)!
نعم هكذا يكون للكتابة الأدبية عن الكتابة الأدبية معنى يتجاوز العلاقات الشخصية والصداقات والمصالح والشللية ووو، وأحسب أنّ من لم يدرك ذلك تماماً ويظنّ أن انتحال صداقة لا وجود لها سابقاً ولم تبدأ بعدُ لاحقاً إنما هو يسيء لعمله ولمن أثنى على عمله من حيث يحسب أنه يحسن!
و.. سبق أن باركتُ – قبل سنوات – لمترجم كنتُ تناولتُ كتاباً من ترجمته بتخصيص مقالتي هنا لتحيته وإبداء إعجابي بإتقانه، من دون أن أعرفه شخصياً – فقد وصلني الكتاب مهدى من الناشر وليس من المترجم - غير أنه حين فاز المترجم بجائزة عن الكتاب راح يكتب في التعريف بمنجزه من ضمن ما كتب ذاكراً مقالتي عن كتابه هكذا: (كتب عنه الصديق الشاعر...) فعاتبته – برسالة إلكترونية - حتى غضب، ولا أظنه استوعب ما أعني من سلبية لصفة (الصديق) ناهيك عن كونها غير حقيقية أساساً!
الآن كذلك أبارك لشاعر شاب فاز مؤخراً بجائزة للشعر وكنت قبل فوزه بفترة قصيرة قد كتبتُ عن ديوانه الشعريّ الأول - الفائز الآن - وأعاتبه الآن على تكرار الخطأ نفسه بأن كتب على صفحته بموقع إلكتروني ناقلاً مقالتي بوصفها (مقالة الصديق...) وأنا - كما قال القصيبي رحمه الله - (لا أعرفه) ولن أذكر اسمه كي لا أحرجه، ولكن.. أرجو أن تكون مقالتي هذه تصويباً لأخطاء أخرى قد تحدث لاحقاً بحسن نية ولا تفيد أحداً أدبياً بل تشكك في مصداقية الذائقة الأدبية برغم أنها صداقة؛ فعينُ المتذوّق أصدقُ من عينِ الصديق – أدبياً – فكيف إذا كان المتذوّق ليس صديقاً أساساً؟!