إن أُطلق عليك «شيخ» فتأكد أنك وقعت في حفرة لن تخرج منها إلا بتحويل فكر من يطلق عليك هذا اللقب. وليس شرطاً أن تكون المشيخة في الدين بل قد تكون للمال وهو سائد كما ترى وأيضاً للصيت، وللمكانة.
عليك أن تنقل الشيخ الذي يراه من أمامك إلى العلم، وأن تجعل منه هو المنارة، لا تجعل من نفسك شيخاً بل اجعل منطوقك هو المشيخة، وحوّل بحسك الأخلاقي العالي الكلمة إلى عالم، ولا تقف هنا ولا تنخدع بالمشيخة فإنها مضيعة لك ولوقتك. وأن تكون عالما هو طموح وهو تدرج، وهو خروج من مأزق نظرة سادت في مجتمعك إلى درجة التقديس لهذا المسمى.
إن ألقابا تُلقى عليك مهما علت لا تنظر إليها ولا تنصت لها، وتجاوزها لأنها تبني في داخلك الغرور، وسلطتك لن تجنيها من خداعك للناس، ولن تجنيها بالمال، بمجرد انكشاف خداعك وزوال المال فإنك ستنتهي، وقد تجتمع الخصلتان في حياتك أي أنك تملك المال وكذلك مخادع، والغالب في جمع المال هو الخداع إلا من قليل. وتأكد إن لنفخة الغرور ـ أيضاً ـ أناسها ومريديها ومن يسعى لتأصيله فيك، ربما بسذاجة من البعض، وربما بخبث من آخرين.
إن الدين ليس مطية لأحد ولن يكون كذلك، بل هو نهج ومسار وفعل في الشخص، وإن لم يكن كذلك فليس بدين، ولا مشيخته ترتبط به بل بأبعاد أخرى بعيدة كل البعد عنه.
كما أن العلوم ليست مطية لأحد بل هي فعل في النهاية يتجه إلى خدمة الإنسانية جمعاء، وهكذا هو الدين الحنيف حيث يقدم العلم والبحث على كل شيء.
سأذكرك بشيء وهو أن العرب تطلق لفظة الشيخ على من تجاوز الخمسين، أي الرجل كبير السن؛ أي ـ أيضاً ـ صاحب التجربة في الحياة فهل لاحظت حكمة العرب في إطلاق كلمة الشيخ؟ أطلقوها على المتقدم في العمر، ولم يطلقوها على المتقدم في المال أو في الدين. بعد هذا جاء المسمى نحو الحديث فمن يملك علم الحديث يطلق عليه شيخا، حتى وصل إلينا وتفرع حسب فروعه حتى عند المتصوفة يطلق الشيخ عند السالكين على من «يرشد المريد ويشير إليه بما ينفعه وما يضره» ... وقيل هو:» الذي يقرر الدين والشريعة في قلوب المريدين والطالبين» وفي هاتين المقولتين حسب نظري غلو لأن تقرير الدين لا يُبنى على الشيخ أو لا يُبنى من شخص أو يُقرّر بل يُعلّم فقط لمن لا يعرفه أما من يعرفه أو يسلك فيه طريقه فلا مجال لأحد أن يقرر لك ما هو الدين، لأنك تستطيع أن تستشفه لوحدك من دونهم وتدركه عبر القرآن والأحاديث الصحيحة، ولا بأس أن تلتمس ممن يزيل عنك مكدرات الأمور، وإن تلتمس مسألتك من أكثر من شيخ من الثقاة، أما التوقف على العهد بأن تثق في شيخ محدد فلستَ من المريدين ولا تكن منهم، فهناك شيوخ ضلال وقد قيل قديما إن «هلاك عامة الناس كان بالاقتداء بالأئمة المضلة».
إلى هنا يكفي وستكمل أنت بقية الطريق للبحث في هذا الشأن، ولكن عليك أن تبقى متيقظاً ولا تنزلق في صغرك نحو المشيخة لأنها مصيدة ولكن ثابر من أجل العلم، ولا علم بغير عمل، ولا عمل بغير فكر، ولا فكر بغير سؤال، ولا سؤال بغير عقل.
--
غداً أو بعد غد يمارس الناس سوءاتك التي ينهونك عنها!!
** **
محمد الغامدي - برناردشو