في البدء لابد أن أشيد بالمتابعة التلفزيونية الجيدة للقناة الثقافية في تغطية فعاليات معرض جدة للكتاب، وقبل ذلك معرض الرياض الدولي للكتاب، حيث حرصت على تقديم الحوارات المباشرة مع زوار المعرض والأدباء والأديبات، وتسليط الضوء على أهم الأحداث والأنشطة التي تقام في المعرض، من خلال عدة ساعات تستقطع من بث القناة في المساء، ومنذ سنوات قليلة كان بث القناة الثقافية المباشر لمعرض الرياض الدولي للكتاب والذي يستمر من افتتاح المعرض حتى ساعات إغلاقه، كان محفزاً لكثير من الناس للذهاب إلى المعرض ليحقق أكبر تظاهرة ثقافية.
وفي معرض جدة هذا العام تم بث مجموعة من الحوارات المباشرة مع عدد من الكتاب والكاتبات الذين كان لهم إصدار جديد في المعرض، وأغلب تلك الحوارات تواكب حفل توقيع الكتاب، ذات مساء تابعت حوارا أجراه مذيع الثقافية مع «كاتبة» أصدرت ديوناً شعرياً، به قصائد عربية وأيضاً باللغة الإنجليزية، ما لفت نظري عندما سألها المذيع عن قراءاتها الشعرية، أجابت أنها لم تقرأ شعرا مطلقاً، وهي حالياً تقرأ بعض الروايات، كنت مع بعض الأصدقاء أثناء مشاهدة الحوار وتساءلنا، معقولة شاعرة لا تقرأ الشعر ولم تطلع عليه، كيف تكون شاعرة، لا أحد منا يعرفها، وبالطبع لم نقرأ لها نتاجاً شعرياً أو نثرياً منشورا في الصحف والمجلات، وتصدر كتاب يصنف ضمن الحركة الشعرية في المملكة العربية السعودية!!.
أحد الأصدقاء ذكر قصة «أبو نواس» عندما استأذن خلف الأحمر في نظم الشعر، حيث لم يأذن له إلا بعد أن يحفظ ألف مقطوع للعرب ما بين أرجوزة وقصيدة « وقيل ألف بيت» وبعد أن حفظها طلب منه خلف الأحمر بأن ينسى كل ما حفظه وعندما تحقق له ذلك أجازه بقول الشعر.
يبدو لي أن البحث عن الشهرة من خلال الأدب والنشر أصبح هاجس كثير من الناس، قد يكون عند البعض موهبة إبداعية، ولكن هذه الموهبة تحتاج إلى صقل ودراسة، وبالطبع القراءة ومعرفة تجارب الآخرين الإبداعية، وللأسف أقول كثيرا من تلك الإصدارات ستكون عبئاً على الكاتب قبل القارئ.
نحن نسعد بكل مبدع أو مبدعة لديهم القدرة على العطاء والتجاوز، وبكل تأكيد تنمية قدراتهم الإبداعية.
وحقيقة الآن النشر أصبح سهلاً، وكل رجل أو امرأة يستطيع أن يصدر كتاباً، ويقول إنه شعر أو رواية أو قصص، أو تغريدات، وهذه الموضة الجديدة التي جلبتها وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وحين يتحدث المؤلف أو المؤلفة عن كتابه أو كتابها، يفاجأ القارئ أو المستمع أو المشاهد، بأن ذلك المؤلف لا علاقة له بالشعر إن كان أصدر ديواناً شعرياً، وكذلك القصة والرواية، حتى لو تُسأل تلك الشاعرة «مجازاً» عن المتنبي، فلن تعرفه، ولكي أقفل باب النقاش مع أصدقاء ذلك المساء، قلت، أغلب ما يصدر من كتب شعرية هي مجرد خواطر تكتب في أجندات خاصة، كما يحدث في بقية دول العالم، كتابات خاصة للتنفيس، أو رصد آراء وانطباعات، أو تجميع لآيات قرآنية وأحاديث ومقولات لبعض المشاهير، كل واحد يحتفظ بتلك الكتابات لنفسه، حتى ربما لا يطلع عليها الأصدقاء المقربين، أما هنا، فلا يفرق البعض بين الخاص والعام، وإلا ماذا يستفيد القارئ من تغريدات تجمع وتنشر، لنراجع أنفسنا حتى لا نستمر بالكذب، ونصدق بأننا أدباء ونحن لسنا كذلك.
** **
- عبدالعزيز الصقعبي