علي الخزيم
لفتت الانتباه عبارة في خبر القبض على من حاول إحراق محطة البنزين بمكة المكرمة تتضمن (الكشف عن أنه مريض نفسي وأحيل إلى النيابة العامة)، ولا أزعم أني أعرف الإجراءات التي يجب أخذها بهذا الشأن؛ غير أني أتعجب من تحويله (بداية) للنيابة كونه معتلاً نفسياً! ثم من الذي قرر اعتلاله؟ فطب المخ والأعصاب تخصص دقيق جداً وقد يحتاج المتخرج من كلية الطب إلى التدرب والعمل ما يقارب 6 سنوات بمراكز متقدمة متخصصة ليحصل على درجة الزمالة بجراحة المخ والأعصاب (الجراحة العصبية)، ولعله كان من الأفضل تحويله أولاً إلى (الطب النفسي الشرعي القانوني) ليحدد صحة المرض ومدى تمكّنه من عقل ومدارك الرجل بتقرير واضح يسمح باتخاذ ما يناسبه من إجراءات سواء عقابية أو ربما تكون مزيداً من الرعاية الصحية التي تخدم المريض وتحميه من شر نفسه وتريح ذويه من المعاناة التي تلازمهم بسبب مرضه؛ وتعفي الجهات الرسمية من تبعات أفعاله غير المنضبطة وقد يتضح أن حالته بدرجة خطرة تصل لحد الاعتداء على أقرب الأقربين، وهذا حاصل حيث يُنهي المريض النفسي عند هياجه حياة والديه ومن حوله من الأطفال إذ إن هؤلاء ممن يطمئِنون له لاعتقادهم أنه يبادلهم الحب ؛ ولأن الطفل لا يُقَدِّر خطره.
سيقول أحدهم إن لدى الدوائر الشرعية بعض الحلول، وأقول مجدداً: بأنه من المعلوم أن الإسلام الحنيف قد سبق كل العلوم الحديثة إلى وضع الأسس للمعاملات الإنسانية وتتضمن الشريعة الإسلامية تعاليماً وأحكاماً لحل المشكلات المستجدة والطارئة، وما يلزم بالمرحلة الراهنة هو تحديد ثلة من المتمكنين الثقات المؤهلين بهذا الفرع من التخصص الشرعي للاعتكاف بالتعاون مع أمثالهم من أطباء النفس والأعصاب واستنباط قواعد وأنظمة كفيلة بتحديد الأحكام المتعلقة بقضايا هذه الفئة، بما لا يخضع لما يسمى بالأعراف الاجتماعية ولا للاجتهادات الأسرية التي تعتريها العاطفة تجاه مريضهم النفسي.
وأرى أنه لا يمكن دائماً تحميل المُعْتَل المضطرب نفسياً وأسرته عواقب ما يقترفه في حال إهماله من جهات الاختصاص؛ لأن الأسرة مع ضعف حيلتها تتملكها نوازع العاطفة تجاهه فتغمره بالرحمة والتدليل وتأخذ بخاطره كلما شعرت بتقلب مزاجه أو تكدر خاطره، وتسارع إلى تهدئته بجرعة من العلاج، والغالبية العظمى من الأسر تجهل الطرق والوسائل التي تبلّغ بها عن تدهور حالة المريض وتزايد عنفه وأذاه، والبعض لا يعرف من الوسائل سوى التوجه لما يسمى بالراقي الشرعي الذي كثيراً ما يستغل الوضع للكسب المادي من الأسرة المكلومة بمريضها، ولا يزيدهم إلا بؤساً وهماً وقلقاً مضاعفاً يطال بقية جوانب حياتهم سائر أيامهم، إلى أن يقع المحذور لتهوي الأسرة بمصيبة كبرى بعد فوات الأوان بسبب غياب الأنظمة والوسائل الناجعة والتوجيه السليم والتوعية الكافية.
الجهات ذات العلاقة مثل وزارة الصحة والدوائر المختصة بالجهات الأمنية وكذلك القضاء الشرعي وغيرهم ممن له صلة بمرضى الاعتلال النفسي؛ أرى أنه لزاماً عليهم وبصورة عاجلة تدارك الأمر وسن النظم والقوانين والأحكام التي تحيط بجوانب الموضوع.