زكية إبراهيم الحجي
حكاية أميرة عاشقة وجوهرة براقة من جِيِّدِ زمنٍ ما زال محفوراً في ذاكرة التاريخ.. وارتبط بشخصيات كان لها حضورها البارز في حدائق الأدب بشعره ونثره وهي منهم.. شاعرة تموسقت قوافيها العذاب بأبهى صور اللغة المرسومة من عناقيد الدهشة وسحر الحرف خلدت ذكراها ربوع الأندلس قبل أن تغرب شمسها على سنابك خيل الطامعين والغزاة القادمين من أقاصي الغرب والشمال لتفصل ذاك الفردوس عن كل الجذور وعن التربة إلى غذتها.
اقترن اسم الأندلس في أذهان كثير من الناس باسم»ولادة بنت المستكفي»وأضحى اسم ولادة مقترناً باسم الأندلس.. فكلما ذُكِرت الأندلس أمام أي إنسان قفزت إلى ذهنه غُرَّة من أبدع غرر الأدب العربي»نونية» ابن زيدون المشهورة التي قالها بعد هروبه من الأندلس وقضائه فترة من الزمن شريداً في قرطبة مؤملاً رؤية»ولادة»الأميرة العاشقة والمعشوقة ومطلع القصيدة
أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
أما وقد حان صبح البين صَبَّحنا
حينٌ فقام بنا للحين ناعينا
ولادة بنت المستكفي أشهر نساء الأندلس وأميرة من أميرات بني أمية.. شاعرة متحرِّرة رفعت الحجاب للمرة الأولى في تاريخ الأندلس أخبارها مثيرة وأشعارها أثيرة.. وقد روي كثرة من مؤرّخي عصرها أنها كتبت بالذهب على عاتقها الأيمن
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
اكتسبت ولادة بنت المستكفي شهرتها باقتران اسمها باسم الشاعر ذائع الصيت والشهرة ابن زيدون..وبانتمائها إلى أسرة عريقة حكمت الأندلس.. وقد بلغت من الفصاحة والبلاغة مبلغاً جعلها تتبوأ مقاماً لم يسبقها إليه أحد من الشاعرات النساء..كان لها مجلس مشهود للنظم والشعر.. يجتمع فيه أشهر الأدباء والشعراء للتناظر والمساجلة ومن بينهم ابن زيدون الذي هام بها وفاض في حبها شعراً فأوقظ نبضات قلبها منذ أن التقيا في مجلسها الأدبي وأخذا يتبادلان رسائل شعرية تشهد لها جدران القصور الأندلسية وحدائق قرطبة قاطبة.
كانت ولادة بنت المستكفي من أجرأ المبدعات في البوح بمشاعر العشق ورغم كل التحديات حرصت على أن تثبت ذاتها الإنسانية بالشعر ضد من يجرؤ على النيل منها فاستطاعت أن تحرز مكانة في عصرها على مستوى الأدب والشعر والنقد من خلال البلاطات التي تقيمها وتجالس فيها أدباء وشعراء زمانها.
ولادة بنت المستكفي شاعرة الفردوس المفقود يبقى شعرها في القلوب رغم قلته قياساً بقصائد عاشقها ابن زيدون.. وحقيقة لم تحظ شاعرة في تاريخ الحضارة الإسلامية بمثل الذكر الذي حظيت به»ولادة بنت المستكفي»لو استثنينا الشاعرة المخضرمة الخنساء في مسارب.